و في حديث البراء فينادى مناد من السماء افرشوه من النار و ألبسوه من النار و افتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها و سمومها (قوله من يليه) قال المهلب المراد الملائكة الذين يلون فتنته كذا قال ولا وجه لتخصيصه بالملائكة فقد ثبت أن البهائم تسمعه و في حديث البراء يسمعه من بين المشرق و المغرب و في حديث أبي سعيد عند أحمد يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين و هذا يدخل فيه الحيوان و الجماد لكن يمكن أن يخص منه الجماد و يؤيده أن في حديث أبي هريرة عند البزار يسمعه كل دابة الا الثقلين و المراد بالثقلين الإنس و الجن قيل لهم ذلك لأنهم كالثقل على وجه الأرض قال المهلب الحكمة في أن الله يسمع الجن قول الميت قدموني ولا يسمعهم صوته إذا عذب ان كلامه قبل الدفن متعلق بأحكام الدنيا و صوته إذا عذب في القبر متعلق بأحكام الآخرة و قد أخفى الله على المكلفين أحوال الآخرة الا من شاء الله إبقاء عليهم كما تقدم و قد جاء في عذاب القبر غير هذه الأحاديث منها عن أبي هريرة و ابن عباس و أبي أيوب و سعد و زيد بن أرقم و أم خالد في الصحيحين أو أحدهما و عن جابر و أبي سعيد عند ابن مردويه و عمر و عبد الرحمن بن حسنة و عبد الله بن عمرو عند أبي داود و ابن مسعود عند الطحاوي و أبي بكرة و أسماء بنت يزيد عند النسائي و أم مبشر عند ابن أبي شيبة و عن غيرهم و في أحاديث الباب من الفوائد اثبات عذاب القبر و أنه واقع على الكفار و من شاء الله من الموحدين و المساءلة و هل هي واقعة على كل واحد تقدم تقرير ذلك و هل تختص بهذه الأمة أم وقعت على الأمم قبلها ظاهر الأحاديث الأول و به جزم الحكيم الترمذي و قال كانت الأمم قبل هذه الأمة تأتيهم الرسل فإن أطاعوا فذاك و أن أبوا اعتزلوهم و عوجلوا بالعذاب فلما أرسل الله محمدا رحمة للعالمين أمسك عنهم العذاب و قبل الإسلام ممن أظهره سواء أسر الكفر أو لا فلما ماتوا قيض الله لهم فتانى القبر ليستخرج سرهم بالسؤال و ليميز الله الخبيث من الطيب و يثبت الله الذين آمنوا و يضل الله الظالمين انتهى و يؤيده حديث زيد بن ثابت مرفوعا أن هذه الأمة تبتلى في قبورها الحديث أخرجه مسلم و مثله عند أحمد عن أبي سعيد في أثناء حديث و يؤيده أيضا قول الملكين ما تقول في هذا الرجل محمد و حديث عائشة عند أحمد أيضا بلفظ و أما فتنة القبر فبي تفتنون و عني تسألون و جنح ابن القيم إلى الثاني و قال ليس في الأحاديث ما ينفى المسئلة عمن تقدم من الأمم و إنما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بكيفية امتحانهم في القبور لأنه نفى ذلك عن غيرهم قال و الذي يظهر أن كل نبي مع أمته كذلك فتعذب كفارهم في قبورهم بعد سؤالهم إقامة الحجة عليهم كما يعذبون في الآخرة بعد السؤال و إقامة الحجة و حكى في مسئلة الأطفال احتمالا و الظاهر أن ذلك لا يمتنع في حق المميز دون غيره و فيه ذم التقليد في الاعتقادات لمعاقبة من قال كنت أسمع الناس يقولون شيئا فقلته و فيه أن الميت يحيا في قبره للمسئلة خلافا لمن رده و احتج بقوله تعالى قالوا ربنا أمتنا اثنتين و أحييتنا اثنتين الآية قال فلو كان يحيا في قبره للزم أن يحيا ثلاث مرات و يموت ثلاثا مرات و هو خلاف النص و الجواب بأن المراد بالحياة في القبر للمسئلة ليست الحياة المستقرة المعهودة في الدنيا التي تقوم فيها الروح بالبدن و تدبيره و تصرفه و تحتاج إلى ما يحتاج إليه الأحياء بل هي مجرد إعادة لفائدة الإمتحان الذي و ردت به الأحاديث الصحيحة فهي إعادة عارضة كما حيى خلق لكثير من الأنبياء لمساءلتهم لهم عن أشياء ثم عادوا موتى
(١٩١)