انتهى و يشهد له قوله تعالى في سورة القتال فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم و أدبارهم و هذا و إن كان قبل الدفن فهو من جملة العذاب الواقع قبل يوم القيامة و إنما أضيف العذاب إلى القبر لكون معظمه يقع فيه و لكون الغالب على الموتى أن يقبروا و إلا فالكافر و من شاء الله تعذيبه من العصاة يعذب بعد موته و لو لم يدفن و لكن ذلك محجوب عن الخلق الا من شاء الله (قوله و قوله جل ذكره سنعذبهم مرتين) و روى الطبري و ابن أبي حاتم و الطبراني في الأوسط أيضا من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس قال خطب رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الجمعة فقال أخرج يا فلان فإنك منافق فذكر الحديث و فيه ففضح الله المنافقين فهذا العذاب الأول و العذاب الثاني عذاب القبر و رويا أيضا من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة نحوه و من طريق محمد بن ثور عن معمر عن الحسن سنعذبهم مرتين عذاب الدنيا و عذاب القبر و عن محمد بن إسحاق قال بلغني فذكر نحوه و قال الطبري بعد أن ذكر اختلافا عن غير هؤلاء و الأغلب أن إحدى المرتين عذاب القبر و الأخرى تحتمل أحد ما تقدم ذكره من الجوع أو السبي أو القتل أو الاذلال أو غير ذلك (قوله و قوله تعالى و حاق بآل فرعون الآية) روى الطبري من طريق الثوري عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل قال أرواح آل فرعون في طيور سود تغدو و تروح على النار فذلك عرضها و وصله ابن أبي حاتم من طريق ليث عن أبي قيس فذكر عبد الله بن مسعود فيه و ليث ضعيف و سيأتي بعد بابين في الكلام على حديث ابن عمر بيان أن هذا العرض يكون في الدنيا قبل يوم القيامة قال القرطبي الجمهور على أن هذا العرض يكون في البرزخ و هو حجة في تثبيت عذاب القبر و قال غيره وقع ذكر عذاب الدارين في هذه الآية مفسرا مبينا لكنه حجة على من أنكر عذاب القبر مطلقا لا على من خصه بالكفار و استدل بها على أن الأرواح باقية بعد فراق الأجساد و هو قول أهل السنة كما سيأتي و احتج بالآية الأولى على أن النفس و الروح شئ واحد لقوله تعالى اخرجوا أنفسكم و المراد الأرواح و هي مسألة مشهورة فيها أقوال كثيرة و ستأتي الإشارة إلى شئ منها في التفسير عند قوله تعالى و يسألونك عن الروح الآية ثم أورد المصنف في الباب ستة أحاديث * أولها حديث البراء في قوله تعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت و قد أورد المصنف في التفسير عن أبي الوليد الطيالسي عن شعبة و صرح فيه بالإخبار بين شعبة و علقمة و بالسماع بين علقمة و سعد بن عبيدة (قوله إذا أقعد المؤمن في قبره أتى ثم شهد) في رواية الحموي و المستملي ثم يشهد هكذا ساقه المصنف بهذا اللفظ و قد أخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة عن حفص بن عمر شيخ البخاري فيه بلفظ أبين من لفظه قال إن المؤمن إذا شهد أن لا إله إلا الله و عرف محمدا في قبره فذلك قوله الخ و أخرجه ابن مردويه من هذا الوجه و غيره بلفظ أن النبي صلى الله عليه و سلم ذكر عذاب القبر فقال إن المسلم إذا شهد أن لا إله إلا الله و عرف أن محمدا رسول الله الحديث (قوله في الطريق الثانية بهذا و زاد يثبت الله الذين آمنوا نزلت في عذاب القبر) يوهم أن لفظ غندر كلفظ حفص و زيادة و ليس كذلك و إنما هو بالمعنى فقد أخرجه مسلم و النسائي و ابن ماجة عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه و القدر الذي ذكره هو أول الحديث و بقيته عندهم يقال له من ربك فيقول ربي الله و نبيي محمد و القدر المذكور أيضا أخرجه مسلم و النسائي من طريق خيثمة عن البراء و قد اختصر سعد و خيثمة هذا الحديث جدا لكن أخرجه ابن مردويه من وجه آخر
(١٨٤)