لأن الله قادر أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد و يقع عليه السؤال كما هو قادر على أن يجمع أجزاءه و الحامل للقائلين بأن السؤال يقع على الروح فقط أن الميت قد يشاهد في قبره حال المسئلة لا أثر فيه من اقعاد ولا غيره ولا ضيق في قبره ولا سعة و كذلك غير المقبور كالمصلوب و جوابهم أن ذلك غير ممتنع في القدرة بل له نظير في العادة و هو النائم فإنه يجد لذة و ألما لا يدركه جليسه بل اليقظان قد يدرك ألما أو لذة لما يسمعه أو يفكر فيه ولا يدرك ذلك جليسه و إنما أتى الغلط من قياس الغائب على الشاهد و أحوال ما بعد الموت على ما قبله و الظاهر أن الله تعالى صرف أبصار العباد و أسماعهم عن مشاهدة ذلك و ستره عنهم إبقاء عليهم لئلا يتدافنوا و ليست للجوارح الدنيوية قدرة على إدراك أمور الملكوت الا من شاء الله و قد ثبتت الأحاديث بما ذهب إليه الجمهور كقوله أنه ليسمع خفق نعالهم و قوله تختلف اضلاعه لضمة القبر و قوله يسمع صوته إذا ضربه بالمطراق و قوله يضرب بين أذنيه و قوله فيقعدانه و كل ذلك من صفات الأجساد و ذهب أبو الهذيل و من تبعه إلى أن الميت لا يشعر بالتعذيب ولا بغيره الا بين النفختين قالوا و حاله كحال النائم و المغشى عليه لا يحس بالضرب ولا بغيره الا بعد الإفاقة و الأحاديث الثابتة في السؤال حالة تولى أصحاب الميت عنه ترد عليهم * (تنبيه) * وجه إدخال حديث ابن عمر و ما عارضه من حديث عائشة في ترجمة عذاب القبر أنه لما ثبت من سماع أهل القليب كلامه و توبيخه لهم دل ادراكهم الكلام بحاسة السمع على جواز إدراكهم ألم العذاب ببقية الحواس بل بالذات إذ الجامع بينهما و بين بقية الأحاديث أن المصنف أشار إلى طريق من طرق الجمع بين حديثي ابن عمر و عائشة بحمل حديث ابن عمر على أن مخاطبة أهل القليب وقعت وقت المسئلة و حينئذ كانت الروح قد أعيدت إلى الجسد و قد تبين من الأحاديث الأخرى أن الكافر المسؤول يعذب و أما إنكار عائشة فمحمول على غير وقت المسئلة فيتفق الخبران و يظهر من هذا التقرير وجه إدخال حديث ابن عمر في هذه الترجمة و الله أعلم * رابع أحاديث الباب حديث عائشة في قصة اليهودية (قوله سمعت الأشعث) هو ابن أبي الشعثاء سليم بن الأسود المحاربي (قوله عن أبيه) في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عن أشعث سمعت أبي (قوله إن يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر) وقع في رواية أبي وائل عن مسروق عند المصنف في الدعوات دخلت عجوزان من عجز يهود المدينة فقالتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم و هو محمول على أن إحداهما تكلمت و أقرتها الأخرى على ذلك فنسبت القول إليهما مجازا و الإفراد يحمل على المتكلمة و لم اقف على اسم واحدة منهما و زاد في رواية أبي وائل فكذبتهما و وقع عند مسلم من طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت دخلت على امرأة من اليهود و هي تقول هل شعرت أنكم تفتنون في القبور قالت فارتاع رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال إنما يفتن يهود قالت عائشة فلبثنا ليالي ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم هل شعرت أنه أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور قالت عائشة فسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يستعيذ من عذاب القبر و بين هاتين الروايتين مخالفة لأن في هذه أنه صلى الله عليه و سلم أنكر على اليهودية و في الأولى أنه أقرها قال النووي تبعا للطحاوي و غيره هما قصتان فأنكر النبي صلى الله عليه و سلم قول اليهودية في القصة الأولى ثم أعلم النبي صلى الله عليه و سلم بذلك و لم يعلم عائشة فجاءت اليهودية مرة أخرى فذكرت لها ذلك فأنكرت عليها
(١٨٦)