عقولهم ويزول معه أفهامهم حتى يسعى الساعي منا الدهر الطويل يقطع المسافة ويجول البلدان الشاسعة يتذلل للرجال ويخضع لكل صاحب نوال إما أن يهلك ولم يدرك البغية وإما أن يمن الله عليه بالبصيرة بعد جهد جهيد وعناء شديد وتعب كديد مع تقية المستبصرين وخوف العارفين من إظهار ذلك للظالمين وكشفه للراغبين فأي ظلم أم أي جور أبين من ظلم تفضيل أولئك فيما ارتكبوه دونهم؟، أو كم بين من استبصر في دينه تبصرة يزول معه كل شك ويثبت معه كل يقين من بيان النبي المرسل وبرهان الكتاب المنزل وبين من يستبصر في دينه بأخبار متضادة وأقاويل مختلفة وبيان غير شاف وبرهان غير كاف حتى يسعى ويطلب ويميز وينظر ويعتبر ويختبر بسهر ليله وظمأ نهاره وتعب بدنه وتصاغر نفسه وتذلل قدره، هل هذا إلا جور من قائله وظلم ظاهر من موجبه؟ حقيق على الله أن يوجب لمستبصري هذا العصر بما وصفنا من أحوالهم أضعاف ما يوجب لمستبصري أهل ذلك العصر ولا يبعد الله إلا من ظلم وقال بما لا يعلم وإن قالوا إن الله عز وجل قد قال في كتابه " السابقون السابقون أولئك المقربون " قيل لهم قد قال الله عز وجل وصدق الله والأمر في ذلك بين واضح والحكمة فيه مستقيمة وذلك أن السباق لا يجوز في الحكمة أن يقع في الإيمان إلا بين أهل العصر الحاضرين المشاهدين لندب الداعي لهم إلى السباق ومحال في الحكمة وفي العدل أن يسابق الله بين قوم خلقهم ومكنهم من أحوال الإجابة وبين قوم لم يخلقهم هذا ظاهر الفساد بعيد من الرشاد بين المحال فظيع من المقال لكنه عز وجل سابق بين الحاضرين من أهل عصر الرسول ولعمري أن من سبق منهم إلى الإيمان أفضل وأجل
(٢٣)