وذلك بعد الموت أهم إذ رعايتها وقت الغلبة ممكنة للمستخلف وأما بعد الموت فغير ممكنة وبالجملة لا خفاء في كون ذلك ظاهرا في العموم وبناء الدليل على الظاهر والعدول عنه من غير ضرورة غير جائز وأما تخصيص الخلافة بوقت معين فمن الظاهر أنه خلاف الظاهر فكيف يدعي كونه متبادرا. وأما ما ذكره من " أن عدم الشمول لما بعد الوفاة إنما هو لقصور اللفظ " فإنما نشأ عن قصور فهمه وإلى فاللفظ قد خيط على قد المعنى سواء بسواء كما عرفت. وأما ما ذكره من " أن عزل هارون عن الخلافة بعد موسى عليه السلام كمال له لأنه يوجب استقلاله في الرسالة وأن ذلك أعلى من كونه خليفة له وشريكا في رسالته " فمدخول بأنه لو سلم أنه كان شريكا له في النبوة والرسالة فلا يلزم استقلاله فيها بعد وفاة موسى عليه السلام إذ الشركة لا تقتضي استقلال التصرف في حصة الشريك بعد وفاته لجواز ضم آخر إليه بدله على أنه إذا كان هارون شريكا لموسى في النبوة غير مستقل فيه كما هو صريح عبارته فيلزم منه أن يكون موسى عليه السلام أيضا كذلك ولم يقل أحد بأنهما عليهما السلام كانا نبيا واحدا مستقلا وهو ظاهر وأيضا لو صح ذلك لما تميز عن هارون بكونه من أولي العزم دونه، ولما نسب نزول التوراة إليه وحده، ولما نسب بنو إسرائيل إلى كونهم أمته وحده، فظهر أن المراد بقوله " أشركه في أمري " المشاركة في دعوة فرعون ونحوه من الأمور وكذا المراد باستخلافه بهارون كونه خليفة فيما يختص بموسى عليه السلام من أحكام نبوته بل الظاهر أنه لا معنى لعدم الاستقلال في النبوة سواء كان النبي مبعوثا على نفسه أو على غيره أيضا فتأمل. وأما ما ذكره من " أن العام المخصوص غير حجة في الباقي أو حجة ضعيفة " فضعيف جدا لأن المحققين من أئمة الأصول على كونه حجة في الباقي والمخالف شاذ لا يعتد به لكن هذا الشيخ الجاهل قلب الأمر في نسبة القوة والضعف إلى المذهبين ترويجا لما هو في صدده ههنا وإلا فقد تراه في غيره من
(٢٠٧)