وأما رابعا فلأنه يتوجه عليه معارضة بالمثل من أنه لا يثبت اجتهاد أبي بكر إلا إذا ثبت أن ما صدر عنه من أمثال الأحكام المذكورة القادحة ضرورة في كل إنسان عاقل له نصيب من معرفة الأحكام الشرعية يمكن أن يصدر ممن له أهلية الاجتهاد وإذ كان إثبات ذلك محالا أو ملحقا بالتشكيك في الضروريات كان ذلك قادحا في خلافته وأما أول ما ذكره من الأدلة التي زعم وضوح دلالتها على أهلية أبي بكر للاجتهاد فمدخول بأن جواب أبي بكر عن ذلك من غير أن يعلم جواب النبي صلى الله عليه وآله قبله غير مسلم وإن كان ذلك الجواب مما يظهر للعاقل المشاهد بخصوصيات تلك الواقعة بأدنى تأمل فغاية ما يلزم من ذلك قصور فهم عمر لإكمال عقل أبي بكر وأما الثاني منها فمردود بأن الاختلاف في موضع الدفن غير واقع كيف وقد صح اتفاقا أنه مع أصحابه قد اشتغلوا بالخلافة عن دفن النبي صلى الله عليه وآله بل النبي صلى الله عليه وآله أوصى بذلك إلى أهل بيته في أيام حياته كما نقله غير هذا الراوي الغاوي ولو سلم فلا اجتهاد في نقل خبر وصية النبي صلى الله عليه وآله بشئ كدفنه فيما نحن فيه كما لا يسمى إيصال بعض خدمة السلطان وصيته إلى بعض العساكر أو أمره إلى بعض الرعية اجتهادا إذ ليس في مثله استنباط الفرع من الأصل الذي هو حاصل معنى الاجتهاد شرعا بل ليس فيه اجتهاد لغوى أيضا كما لا يخفى مع أن قول أبي بكر " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما من نبي،. إلى آخره " دعوى لا برهان له بها سوى دعوى سماعه لذلك وهو كما ترى وأما ما ذكره من وقوع الاختلاف في ميراثه فغير واقع أيضا غاية الأمر أنه لما أخذ فدك عن فاطمة عليها السلام وادعت النحلة فيها ثم الميراث تنزلا افترى بكر لدفع دعواها عليها السلام ذلك فقالت له: أترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئا فريا.. اللهم إلا أن يقال: أراد بالاجتهاد الاجتهاد اللغوي في دفعها عليها السلام عن حقها بتكلف الكذب والحيل فإن
(١٣١)