فعلى الشاهدين ضمانه لأنهما سبب إتلافه إلا أن يثبت ذلك باقرارهما على أنفسهما من غير موافقة المحكوم له فيكون ذلك رجوعا منهما عن شهادتهما وقد بينا حكم ذلك (فصل) فإذا تاب شاهد الزور وأتت على ذلك مدة تظهر فيها توبته وتبين صدقه فيها وعدالته قبلت شهادته وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وقال مالك لا تقبل شهادته ابدا لأن ذلك لا يؤمن منه ولنا انه تائب من ذنبه فقبلت توبته كسائر التائبين. وقوله لا يؤمن منه ذلك. قلنا مجرد الاحتمال لا يمنع قبول الشهادة بدليل سائر التائبين فإنه لا يؤمن منهم معاودة ذنوبهم ولا غيرها وشهادتهم مقبولة والله أعلم (مسألة) قال (وإذا غير العدل شهادته بحضرة الحاكم فزاد فيها أو نقص قبلت منه ما لم يحكم بشهادته) وهذا مثل ان يشهد بمائة ثم يقول هي مائة وخمسون أو يقول بل هي تسعون فإنه يقبل منه رجوعه ويحكم بما شهد به أخيرا وبهذا قال أبو حنيفة والثوري وسليمان بن حبيب المحاربي وإسحاق. وقال الزهري لا تقبل شهادته الأولى ولا الآخرة لأن كل واحدة منهما ترد الأخرى وتعارضها. ولان الأولى مرجوع عنها والثانية غير موثوق بها لأنها من مقر بغلطه وخطئه في شهادته فلا يؤمن أن يكون في الغلط كالأولى. وقال مالك: يؤخذ بأقل قوليه لأنه أدى الشهادة وهو غير متهم فلم يقبل رجوعه عنها كما لو اتصل بها الحكم ولنا ان شهادته الآخر فشهادة من عدل غير متهم لم يرجع عنها فوجب الحكم بها كما لو لم يتقدمها ما يخلفها ولا تعارضها الأولى لأنها قد بطلت برجوعه عنها ولا يجوز الحكم بها لأنها شرط الحكم فيعتبر استمرارها إلى انقضائه ويفارق رجوعه بعد الحكم لأن الحكم قد تم باستمرار شرطه فلا ينقض بعد تمامه (فصل) وان شهد بألف ثم قال قبل الحكم قضاه منه خمسمائة فسدت شهادته ذكره أبو الخطاب فقال إذا شهد أن عليه ألفا ثم قال أحدهما قضاه منه خمسمائة بطلت شهادته وذلك أنه شهد بان الألف جميعه عليه وإذا قضاه خمسمائة لم تكن الألف كله عليه فيكون كلامه متناقضا فتفسد شهادته، وفارق هذا ما لو شهد بألف ثم قال بل بخمسمائة لأن ذلك رجوع عن الشهادة بخمسمائة واقرار بغلط نفسه وهذا لا يقول هذا على سبيل الرجوع، والمنصوص عن أحمد أن شهادته تقبل بخمسمائة فإنه قال إذا شهد بألف ثم قال أحدهما قبل الحكم قضاه منه خمسمائة أفسد شهادته والمشهود له ما اجتمعا عليه وهو خمسمائة فصحح شهادته في نصف الألف الباقي وابطلها في النصف الذي ذكر انه قضاه لأن ذلك بمنزلة الرجوع عن الشهادة به فأشبه ما لو قال أشهد بألف بل بخمسمائة قال احمد ولو جاء بعد هذا المجلس فقال اشهد أنه قضاه منه خمسمائة لم يقبل منه لأنه قد أمضى
(١٥٥)