المبيع بيع خيار الرؤية، يحتاج إلى أن يكون ملك جنسه معينا في ملك بائعه، ويذكر جنسه، ويصفه، لأنه من جملة بيوع الأعيان.
فأما الضرب الآخر من البيوع الذي هو في الذمة، هو المسمى بالسلم، بفتح السين واللام، والسلف، فهذا مضمون على بايعه، يحتاج إلى الأوصاف، والآجال المحروسة من الزيادة والنقصان، إما بالسنين والأعوام، أو بالشهور والأيام، ومن شرط صحته قبض رأس المال الذي هو الثمن، قبل الافتراق من مجلس العقد، وبيع الدين ليس كذلك بغير خلاف.
فإن قيل: هذا خلاف إجماع الإمامية، وذلك أن إجماعهم منعقد بغير خلاف على صحة بيع الدين وإمضائه، وعموم أخبارهم على ذلك، وكذلك أقوالهم، وتصنيفاتهم، ومسطوراتهم، وفتاويهم.
قلنا: نحن ما دفعنا ذلك أجمع، وأبطلناه، بل نحن عاملون بمقتضاه، ومخصصون لما ناقض الدليل ونفاه، لأنه لا خلاف بين المحصلين لأصول الفقه، أن العموم قد يخص بالأدلة، وقد قلنا إن بيع الدين على من هو عليه جائز، صحيح، لا خلاف فيه، فقد عملنا بالإجماع، واتبعنا ظواهر الأقوال، والأخبار، والفتاوى، وما في التصنيفات، وأعطينا الظاهر حقه، وخصصنا ما عدا بيع من عليه الدين، بالأدلة المجمع عليها، المقررة المحررة عند أصحابنا، المقدم ذكرها، وهذا تحقيق لا يبلغه إلا محصل لأصول الفقه، ضابط لفروع المذهب، عالم بأحكامه محكم لمداره، وتقريراته، وتقسيماته، ومما يشيد ما حررناه، إجماع أصحابنا الذي لا خلاف فيه، وانعقاده على أن من كان له على غيره مال دينا، لم يجز له أن يجعله مضاربة، إلا بعد أن يقبضه، ويتعين في ملكه، ثم يدفع إليه إن شاء للمضاربة، لأنه قبل قبضه وتعيينه في ملكه، ملك لمن هو عليه ما انتقلت عينه إليه، فكيف يصح له أن يضاربه بعين ماله، فإنه قبل أن يقبضه ويتعين عينه في ملكه، مال من هو عليه، فكيف يضاربه بماله، ولو فعل ذلك، لكان الربح كله لمن عليه المال، لأنه