قال محمد بن إدريس: أما قوله رحمه الله: " ولا يجوز بيع الغنم باللحم لا وزنا ولا جزافا "، إن أراد الجزاف، فلا يجوز، لأن ما يباع بالوزن، لا يجوز بيعه ولا شراؤه جزافا، بلا خلاف بيننا، وأما قوله: " لا وزنا " فهذا فيه كلام، إن أراد بذلك أنه ربا، فقد قال في مبسوطه ما حكيناه عنه، من أنه إذا باع عينا بعين، فإن كان في إحداهما الربا، والأخرى لا ربا فيها، فإن بيع ذلك جائز، وهذا من ذاك.
وأيضا كان يفسد عليه إطلاق كلامه في نهايته، من قوله: " لا يجوز بيع الغنم باللحم " ولم يقل أي اللحمان هو، لأنه إذا كان لحم غير الغنم، فلا بأس على ما ذكره في مسائل خلافه ومبسوطه، لأنه قد اختلف الجنس.
وأيضا الإجماع منعقد، على أنه لا ربا إلا فيما يكال ويوزن، إذا بيع المثل بالمثل وزيادة، وبيع الغنم باللحم، خارج من ذلك.
وأيضا الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل، مع قوله تعالى: " وأحل الله البيع وحرم الربوا " وهذا بيع، فمن منع منه يحتاج إلى دليل، ولا إجماع منعقد على المسألة، حتى يصار إليه.
فإن قيل: فعلى هذا التقرير والتحرير، يجوز بيع الغنم باللحم، يدا بيد، فهل يجوز ذلك نسيئة قلنا: إن أسلف الغنم في اللحم، لا يجوز بغير خلاف، لأن السلم في اللحم عندنا لا يجوز، لأنه لا يكاد يضبط بالوصف، فإنه يتباين تباينا كثيرا، وكذلك الخبز، وروايا الماء، وإن كان جعل اللحم الثمن، والمسلم فيه الغنم، ووصفها، وضرب الأجل المحروس، فذلك جائز، لا مانع يمنع منه، فليتأمل ذلك، ويفهم عني ما سطرته، فإن فقهه غامض، إلا على المحصل المحقق لأصول المذهب.
ثم قال شيخنا في نهايته: ولا يجوز أيضا بيع الرطب بالتمر، مثلا بمثل، لأنه إذا جف نقص (1).