ونصره، وضعف ما عداه، وإلى ما ذهب في الإقتصاد ذهب في النهاية: فقال في نهايته: وقد يجب إنكار المنكر بضرب من الفعل، وهو أن يهجر فاعله، ويعرض عنه، وعن تعظيمه، ويفعل معه من الاستخفاف ما يرتدع معه من المناكير، فإن خاف الفاعل للإنكار باللسان ضررا، اقتصر على الإنكار بالقلب، حسب ما قدمناه في المعروف سواء (1).
وأما إقامة الحدود، فليس يجوز لأحد إقامتها إلا لسلطان الزمان، المنصوب من قبل الله تعالى، أو من نصبه الإمام لإقامتها، ولا يجوز لأحد سواهما إقامتها على حال، وقد رخص في حال قصور أيدي أئمة الحق، وتغلب الظالمين، أن يقيم الإنسان الحد على ولده، وأهله، ومماليكه، إذا لم يخف في ذلك ضررا من الظالمين، وأمن بوايقهم.
قال محمد بن إدريس، مصنف هذا الكتاب: والأقوى عندي، أنه لا يجوز له (2) أن يقيم الحدود إلا على عبده فحسب، دون ما عداه من الأهل، والقرابات، لما قد ورد في العبد من الأخبار (3) واستفاض به النقل بين الخاص والعام.
وقد روي أن من استخلفه سلطان ظالم على قوم، وجعل إليه إقامة الحدود، جاز له أن يقيمها عليهم على الكمال (4) ويعتقد أنه إنما (5) يفعل ذلك بإذن سلطان الحق لا بإذن سلطان الجور، ويجب على المؤمنين معونته، وتمكينه من ذلك، ما لم يتعد الحق في ذلك، وما هو مشروع في شريعة الإسلام، فإن تعدى ما جعل إليه الحق، لم يجز له القيام به، ولا لأحد معاونته على ذلك.