وجوب الأداء، والذي يقوى في نفسي، أنه لا يجب التحمل، وللإنسان أن يمتنع من الشهادة إذا دعي إليها ليتحملها، إذا لا دليل على وجوب ذلك عليه، وما ورد في ذلك (1) فهو أخبار آحاد، فأما الاستشهاد بالآية، والاستدلال بها على وجوب التحمل، فهو ضعيف جدا، لأنه تعالى سماهم شهداء، ونهاهم عن الإباء إذا دعوا إليها، وإنما يسمى شاهدا بعد تحملها، فالآية بالأداء أشبه.
وإلى هذا القول يذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي في مبسوطه (2).
فإن قيل: سماهم شهداء لما يؤولون إليه من الشهادة، كما يقولون لمن يريد الحج: حاجي، وإن لم يحج، وكما قال تعالى: " إنك ميت " (3) أي إنك ستموت.
قلنا: هذا مجاز، والكلام في الحقيقة غير الكلام في المجاز، فلا يجوز العدول عن الحقيقة إلى المجاز، من غير ضرورة، ولا دليل، والكلمة إذا كانت مشتقة من الفعل، فلا تسمى به إلا بعد حصول ذلك الفعل، لأن الضارب والقاتل، لا يسميان بذلك، إلا بعد حصول الحديث المخصوص منهما.
إذا كان هناك خلق قد تحملوا الشهادة، فالأداء واجب عليهم. فكل من دعي منهم لإقامتها، وجب عليه ذلك لقوله تعالى: " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " (4) فإذا حضر الشاهد، فلا يجوز له أن يشهد إلا على من يعرفه، فإن أراد أن يشهد على من لا يعرفه، فليشهد بتعريف من يثق إلى ديانته، من رجلين عدلين عند أصحابنا، فأما الواحد والنساء، فلا يشهد بتعريفه، ولا تعريفهن، لأنه لا دليل على ذلك، فإذا أقام الشهادة، أقامها كذلك، وإذا أشهد على امرأة، وكان يعرفها بعينها، جاز له أن يشهد عليها، وإن لم ير وجهها، فإن شك في حالها، لم يجز له أن يشهد عليها إلا بعد أن تسفر عن وجهها، ويثبتها معرفة، فإن عرفها من يثق