ومن غصب عبدا فأبق، أو بعيرا فشرد، فعليه قيمة ذلك، فإذا أخذها صاحب العبد أو البعير ملكها بلا خلاف، ولا يملك الغاصب العبد، فإن عاد انفسخ الملك عن القيمة، ووجب ردها، وأخذ العبد، لأن أخذ القيمة إنما كان لتعذر العبد والحيلولة بين مالكه وبينه، ولم تكن عوضا عنه على وجه البيع، لأنا قد بينا أن ملك القيمة يتعجل هاهنا، وملك القيمة بدلا عن العين الفائتة بالإباق لا يصح على وجه البيع، لأن ذلك يكون فاسدا عندنا على ما قدمناه، وعند المخالف أيضا، وعند بعض المخالفين، يكون البيع موقوفا فإن عاد العبد تسلمه المشتري، وإن لم يعد رد البايع الثمن، ولما ملكت القيمة هاهنا، والعبد آبق، ولم يجز الرجوع بها مع تعذر الوصول إلى العبد، ثبت أن ذلك ليس على وجه البيع.
إذا غصب طعاما أو تمرا، فسوس، كان عليه أرش ما نقص، ولا يجب عليه المثل، لأنه لا مثل لما نقص، فكان الضمان بالأرش.
إذا غصب ما لا مثل له فلا يخلو من أحد أمرين، إما أن يكون من جنس الأثمان، أو من غير جنسها.
فإن كان من غير جنسها كالثياب والخشب والعقار، ونحو ذلك، من الأواني، فكل هذا وما في معناه مضمون بالقيمة، فإذا ثبت أنه مضمون بالقيمة، فإذا تلف كان عليه قيمته، فإن تراخى وقت القبض، لم يكن له إلا القيمة التي ثبتت في ذمته حين التلف، وإن جنى على هذا جناية، فأتلف البعض، مثل خرق الثوب، أو كسر الآنية على وجه ينتفع بهما فيما بعد، فعليه ما نقص، فهو أرش ما بين قيمته صحيحا ومعيبا، لا شئ له غيره.
فإن كان من جنس الأثمان، لم يخل من أحد أمرين، إما أن يكون فيه صنعة، أو لا صنعة فيه، فإن كان مما لا صنعة فيه، فله مثله وأرش النقص، سواء كان من جنسه أو لا من جنسه، لأن هذا ليس ببيع حتى يقال إنه ربا، فإن كان فيها صنعة، فإما أن يكون استعمالها مباحا، أو محظورا.