وعلى الصحيح من المذهب، إذا كانت الشفعة قد وجبت للشفيع، ولم يعلم بها حتى تقايلا، هل للشفيع إبطال الإقالة، ورد المبيع إلى المشتري، وأخذ ذلك بالشفعة أم لا؟ للشفيع ذلك، لأن حق الشفعة ثبت على وجه لا يمكن، ولا يملك المتعاقدان إسقاطه.
إذا ادعى البايع البيع، وأنكر المشتري، وحلف، فإن الشفعة ثابتة، وللشفيع أخذها من البايع، لأنه معترف بحقين، الواحد منهما عليه، وهو حق الشفعة، والآخر على المشتري، فلا يقبل قوله على المشتري، لأن الحق له، وقبلنا قوله للشفيع، لأنه حق عليه، هكذا أورده شيخنا في مسائل خلافه (1)، واختاره وقواه، وهو قول المزني، وتفريعه، وقال ابن شريح أبو العباس: لا شفعة، لأنها إنما تثبت بعد ثبوت بيع المشتري.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: وهذا الذي تقتضيه أصول أصحابنا، ومذهبهم، لأن الشفعة لا تستحق إلا بعد ثبوت البيع، ويستحقها ويأخذها الشفيع من المشتري دون البايع، والبيع ما صح ولا وقع ظاهرا، ولا يحل لحاكم أن يحكم بأن البيع حصل وانعقد، فكيف يستحق الشفعة في بيع لم يثبت عند الحاكم؟ وكيف يأخذها من البايع؟ وأيضا الأصل أن لا شفعة، فمن أثبتها يحتاج إلى دليل قاطع هاهنا في هذا الموضع، وهذه مسألة حادثة نظرية، لا يرجع فيها إلى قول بعض المخالفين، بل تحتاج إلى تأمل، وأن ترد إلى أصل المذهب، وما يقتضيه أصول أصحابنا، فليلحظ ذلك.
وإذا كان الشفيع وكيلا في البيع للبايع، أو وكيلا في الشراء للمشتري، فإنه يستحق الشفعة، ولا تسقط بوكالته، لأنه لا مانع من وكالته لهما، ولا دليل في الشرع يدل على سقوط حقه من الشفعة بذلك.