العمل المباح إن كان خيرا بجعله عبادة، كالتطيب يوم الجمعة لإقامة السنة، وتعظيم المسجد واليوم، ودفع الأذى بالنتن، والأكل لقوة العبادات، والجماع للولد وتطييب خاطر الزوجة: والترفه بنومة أو دعابة مباحة لرد نشاط الصلاة، وإن كان شرا بجعله معصية، كالتطيب للتفاخر بإظهار الثروة والتزين للزنا، ولا يؤثر في الحرام، فلا يباح شرب الخمر لموافقة الأقران، والإخوان، فالمعاصي لا تتغير موضوعاتها بالنية، بخلاف الطاعات والمباحات فإنها بالنية الصحيحة تصير أقرب القربات، وبالمفاسدة تصير أعظم المهلكات فما أعظم خسران من يغفل عن النية، ويتعاطى الأعمال تعاطي البائن المهملة على قصد حظوظ النفس أو على السهو والغفلة، وقد كانت غاية سعي السلف أن يكون لهم في كل شئ نية صحيحة، حتى في أكلهم وشربهم ونومهم ودخولهم الخلاء.
ولا ريب في إمكان تصحيح النية في كل مباح، بحيث يترتب عليه الثواب، بل يمكن تصحيح النية في كل نقصان مالي وعرضي، فإن من تلف له مال، فإن قال: هو في سبيل الله، كان له أجرا، وإن سرقه أحد أو غصبه يمكن أن ينوي كونه من ذخائر الآخرة، وإذا بلغه اغتياب غيره له فيمكن أن يطيب خاطره بأنه سيحمل عليه سيئاته وينقل إلى ديوان حسناته فإياك أن تستحقر شيئا من نياتك وخطرات قلبك، ولا تقدم على عمل إلا بالنية صحيحة، فإن لم تحضرك النية توقف، إذ النية لا تدخل تحت الاختيار، وقد قيل: (إن من دعا أخاه إلى طعام بدون رغبة باطنة في اجتنابه، فإن أجابه فعليه وزران: النفاق، وتعريضه أخاه لما يكرهه لو علمه، وإن لم يجبه ولم يأكل فعليه وزر واحد هو النفاق!). فلا بد للعبد من خالص النية في كل حركة وسكون، لأنه إذا لم يكن كذلك غافلا، والغافلون قد وصفهم الله - تعالى - فقال:
(إن هم إلا كالانعام بل هم أضل سبيلا) (46).
وصاحب خالص النية صاحب القلب السليم، قال الصادق (ع):