أقرب إليك عن كل قريب؟ فما لك لا تستعدين له؟ أما تخافين من جبار السماوات والأرض، ولا تستحيين منه؟ تعصين بحضرته وأنت عالمة بأنه مطلع عليك؟! ويحك يا نفس! جرأتك على معصية الله إن كانت لاعتقادك أنه لا يراك فما أعظم كفرك، وإن كانت مع علمك باطلاعه عليك فما أشد وقاحتك وأقل حياؤك، وما أعجب نفاقك، وكثرة دعاويك الباطلة! فإنك تدعين الإيمان بلسانك، وأثر النفاق ظاهر عليك! فتنبهي عن رقدتك وخذي حذرك! لو أن يهوديا أخبرك في ألذ أطعمتك بأنه يضرك لصبرت وتركتيه! ولو أخبرك طفل بعقرب في ثوبك نزعتيه! فقول الله وقول أنبيائه المؤيدين بالمعجزات وقول الأولياء والحكماء والعلماء أقل تأثيرا عندك من قول يهودي أو طفل؟!... فلا يزال يكرر عليها أمثال هذه المواعظ والتوبيخات والمعاتبات، ثم يعاقبها ويلزمها ما يشق عليها من وظائف العبادات والتصدق بما يحبه، جبرا لما فات منها وتداركا لما فرط فيها، فإذا أكل لقمة مشتبهة ينبغي أن يعاقب البطن بالجوع، وإذا نظر إلى غير محرم يعاقب العين بمنع النظر، وإذا اغتاب مسلما يعاقب اللسان بالصمت والذكر مدة كثيرة، وكذلك يعاقب كل عضو من أعضائه إذا صدرت منه معصية بمنعه من شهواته، وإذا استخف بصلاة ألزم نفسه بصلاة كثيرة بشرائطها وآدابها، وإذا استهان بفقير أعطاه صفو ماله، وهكذا الحال في سائر المعاصي والتقصيرات.
وطريق العلاج في إلزام النفس - بعد تقصيرها في العمل على هذه العقوبات وربطها على تلك الطاعات الشاقة والرياضات - أمران:
الأول - تذكر ما ورد في الأخبار من فضيلة رياضة النفس ومخالفتها، والاجتهاد في الطاعة والعبادة ووظائف الخيرات، قال الصادق (ع):
(طوبى لعبد جاهد في الله نفسه وهواه! ومن هزم جند هواه ظفر برضاء الله، ومن جاوز عقله نفسه الأمارة بالسوء بالجهد والاستكانة والخضوع على بساط خدمة الله تعالى فقد فاز فوزا عظيما، ولا حجاب أظلم وأوحش بين العبد وبين الله تعالى من النفس والهوى، وليس لقتلهما وقطعهما سلاح وآلة مثل الافتقار إلى الله، والخشوع، والجوع والظماء بالنهار، والسهر