الصغائر، قال الله - تعالى -:
(أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) (12). وقال:
(الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) (13).
وقال رسول الله (ص): (الصلوات الخمس والجمعة تكفر ما بينهن إن اجتنبت الكبائر) واجتناب الكبيرة إنما يكفر الصغيرة إذا اجتنبها مع القدرة والإرادة، كمن يتمكن من امرأة ومن مواقعتها، فيكف نفسه عن الوقاع ويقتصر على نظر ولمس، فإن مجاهدته نفسه في الكف عن الوقاع أشد تأثيرا في تنوير قلبه من إقدامه على النظر في إظلامه، فهذا معنى تكفيره فإن كان امتناعه لعجز أو خوف أو نحو ذلك، فلا يصلح للتكفير، فكذلك من يشتهي الخمر بطبعه ولو أبيح له لما شربه، فاجتنابه لا يكفر عن الصغائر التي هي من مقدماته كسماع الملاهي والأوتار ومثله.
ثم الكبيرة من حيث اللفظ مبهم ليس له موضوعا خاص في اللغة ولا في الشرع والعرف، لأن الكبير والصغير من المصافات، وما من ذنب إلا وهو كبير بالإضافة إلى ما دونه، وصغير بالإضافة إلى ما فوقه. وقد اختلف العلماء في تعيين الكبائر اختلافا لا يكاد يرجى زواله واختلفت الروايات فيها أيضا.
والأظهر بالنظر إلى الروايات وإلى الجمع بينها كون الكبيرة عبارة عما توعد بالنار على فعله أو ما ورد في نص الكتاب النهي عنه، ويعني بوصفه بالكبيرة: إن العقوبة بالنار عظيمة، أو إن تخصيصه بالذكر في القرآن يدل على عظمه. ويمكن أن يقال: إن الشرع لم يعينها، وأبهمها ليكون العباد على وجل منها، فيجتنبون جميع الذنوب، كما أبهم ليلة القدر ليعظم جد الناس في طلبها، ويواضبوا في ليال على العبادات،، وكما أبهم الاسم الأعظم ليواضبوا على جميع أسماء الله. والحاصل: أن كل ما يتعلق به حكم في الدنيا أجاز أن يتطرق إليه الإبهام، والكبيرة على الخصوص لا حكم لها في الدنيا من حيث أنها كبيرة، فإن موجبات الحدود معلومة بأساميها،