بدنه، بين الشهوات جنود الشياطين، وبين العقول أحزاب الملائكة: إذ لا تكمن غريزة العقل في أحد إلا بعد كمال غريزة الشهوة والغضب وسائر الصفات المذمومة، وإذا قام القتال بينهما لا بد بحكم العقل والشرع والشرع أن يغلب جنود الله على جنود الشيطان بقمعها بكسر الشهوات، ورد النفس على سبيل القهر والغلبة على الصفات المحمودة والعبادات، ولا معنى لوجوب التوبة إلا هذا. مما يدل على وجوبها على الدوام وفي كل حال هو أن كل عبد لا يخلو عن معصية بجوارحه، فإن خلا في بعض الأحوال عن معصية الجوارح فلا يخلو عن رذائل النفس والهم بالذنوب بالقلب فإن خلا عن ذلك أيضا فلا يخلو عن وسوسة الشيطان بإيراد الخواطر المتفرقة المذهلة عن ذكر الله، فإن خلا عنه فلا يخلو عن غفلة وقصور في العلم بالله وصفاته وآثاره، وكل ذلك نقص يجب الرجوع عنه وهو معنى التوبة.
ولعدم خلو أحد من الخلق من نوع هذا النقص وأصله في حالة، وإن تفاوتوا في المقادير، يلزم وجوب التوبة على كل عبد في كل حالة، ولو خلا عن التوبة عن جميع الذنوب في لحظة واختطفه الموت، لزم خروج روحه بلا توبة، ولعدم انفكاكه قبل موته ولو بلحظة عن فرد من المعاصي المذكورة فالتوبة واجبة على كل عبد سالك في كل نفس من أنفاسه، قال بعض العرفاء (47): (لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره إلا على فوت ما مضى من عمره في غير طاعة الله، لكان حقيقا أن يخزيه (48) ذلك إلى الممات، فكيف من يستقبل ما بقي من عمره بمثل ما مضى من جهله). ومن عرف قدر العمر وفائدته وما يكتسب به من سعادة الأبد يعلم أن ما يصنع منه في المعصية وغير التوبة أي حسرة وندامة يترتب عليه، فإن العاقل إذا ملك جوهرة نفيسة، فإن ضاعت منه بغير فائدة بكى عليها لا محال، وإن ضاعت منه وصار ضياعها سبب هلاكه كان بكاؤه منه أشد، وكل نفس من العمر جوهرة نفيسة لا عوض لها لا يصلها لعبد إلى سعادة الأبد وإنقاذها إياه من شقاوة السرمد، وأي جوهر أنفس من هذا، فمن ضيعها في غفلة خسر خسرانا مبينا، ومن صرفها في