ولا تنظر إلى صغر الخطيئة وانظر إلى كبرياء من واجهته بها) ولذلك قال بعض الصحابة للتابعين:، (إنكم تعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر، وكنا نعدها على رسول الله من الموبقات) إذ كانت معرفة الصحابة بجلال الله أتم، فكانت الصغائر عندهم بالإضافة إلى جلال الله كبائر.
وثالثها - أن يأتي بالصغائر ولا يبالي بفعلها، اغترارا بستر الله عليه، وحلمه عنه، وإمهاله إياه، ولا يعلم أنه إنما يمهل مقتا ليزداد بالإمهال إثما، فتزهق أنفسهم وهم كافرون، فمن ظن أن تمكنه من المعاصي عناية من الله به، فهو جاهل بمكامن الغرور، وآمن من مكر الله الذي لا يأمن منه إلا الكافرون.
ورابعها - السرور بالصغيرة واعتداد التمكن من ذلك نعمة والغفلة عن كونها نقمة وسبب الشقاوة فكلما غلبت حلاوة الصغيرة عند العبد كبرت وعظم قلبه في تسويد قلبه، فمن مزق عرض مسلم وفضحه وخجله، أو غبنه في ماله في المعاملة، ثم فرح به، ويقول: أما رأيتني كيف مزقت عرضه؟
وكيف فضحته؟ وكيف روجت عليه الزيف؟ كانت معصيته أشد مما إذا لم يفرح بذلك وتأسف عليه، إذ الذنوب مهلكات، وإذا ابتلى بها العبد فينبغي أن يتأسف من حيث أن العدو - أعني الشيطان - ظفر به وغلب عليه، لا أن يفرح بغلبة العدو عليه، فالمرض الذي يفرح بانكسار إنائه الذي فيه دواؤه لتخلصه من ألم شربه، لا يرجى شفاءه.
وخامسها - أن يذنب ويظهر ذنبه بأن يذكره بعد إتيانه، أو يأتي به في مشهد غيره، فإن ذلك خيانة منه على الله الذي أسدله عليه، وتحريك الرغبة والشر فيمن أسمعه ذنبه أو أشهده فعله، فهما خيانتان انضمتا إلى خيانته فتغلظت به، فإن انضاف إلى ذلك الترغيب للغير فيه والحمل عليه وتهيئة الأسباب له صارت خيانته رابعة، وتفاحش الأمر. وهذا لأن من صفات الله أنه يظهر الجميل ويستر القبيح ولا يهتك الستر، فالإظهار كفران لهذه النعمة، قال رسول الله (ص): (المستتر بالحسنة تعدل سبعين حسنة، والمذيع بالسيئة مخذول، والمستتر بها مغفور له). وقال الصادق (ع): (من جاءنا يلتمس الفقه والقرآن وتفسيره فدعوه ومن جاءنا يبدي عورة قد سترها الله فنحوه) وسادسها - أن يكون الآتي بالصغيرة عالما يقتدي به الناس، فإذا فعله