تكون الذنوب التي يتوب عنها مخالفة بالنوع للذنوب التي لا يتوب عنها، كأن يتوب عن الكبائر دون الصغائر، أو عن القتل والظلم ومظالم العباد دون بعض حقوق الله، أو عن شرب الخمر دون الزنا أو بالعكس، أو عن شرب الخمر دون أكل أموال الناس بالباطل خيانة وتلبيسا أو غصبا أو قهرا أو عن بعض الصغائر دون بعض الكبائر، كالذي يتوب عن الغيبة مع إصراره على شرب الخمر. والدليل على إمكان ذلك وصحته: أن العبد إذا علم أن الكبائر أعظم إثما عند الله وأجلب لسخط الله ومقته والصغائر أقرب إلى تطرق العفو إليها، فلا يبعد أن يتوب عن الأعظم دون الأصغر، وكذا إذا تصور أن بعض الكبائر أشد وأغلظ عند الله من بعض، فلا يبعد أن يتوب عن الأغلظ دون الأخف، وقد تكون ضراوة أحد بنوع معصية شديدة، فلا يقدر على الصبر عنها، وتكون ضراوته بنوع آخر منها أقل، فيمكنه الترك بسهولة، فيتوبوا عنه دون الأول، وأن كان الأول أغلظ وأشد إثما، كالذي شهوته بالخمر أشد من شهوته بالغيبة، فيترك الغيبة ويتوب عنها دون الخمر، فالتوبة عن بعض المعاصي دون بعض مع اختلافها نوعا بأي نحو كان ممكن وصحيح، ومعها يندفع عنه إثم ما تاب عنه، ويكتب عليه إثم ما لم يتب عنه، بل ربما كان أكثر ما وقع من التوبة من هذا القبيل إذ كثر التائبون في الأعصار الخالية والقرون الماضية، ولم يكن أحد منهم معصوما، فيكون كل منهم جازما بأنه يصدر عنه معصيته البتة. ويدل على الصحة قوله (ع): (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، حيث لم يقل:
التائب من الذنوب. نعم التوبة عن بعض الذنوب دون بعض مع تماثلهما غير صحيح وغير معقول، لاستوائهما في حق الشهوة وحق التعرض لسخط الله، فلا معنى للتوبة عن أخذ الخبز الحرام، أو عن أخذ الدرهم الحرام دون الدينار الحرام، أو عن ترك صلاة الظهر دون العصر، إذ لو كان ذلك صحيحا لصح أن يتوب عن أخذ هذا الخبز دون ذلك الخبز، أو عن أن أخذ هذا الدرهم دون ذلك الدرهم... وهكذا. والحاصل: أن التوبة عن بعض الذنوب دون بعض مع تفاوتها في العقاب واقتضاء الشهوة صحيح، ومع تماثلهما فيهما غير معقول. ومن العلماء من قال: إن التوبة عن البعض