فإذا تراكم الرين صار طبعا فيطبع على قلبه، كما إن الخبث في وجه المرآة إذا تراكم وطال زمانه غاص في جرم الحديد وأفسده، وصار بحيث لا يقبل التصقيل بعده فالتائب من الذنوب لا بد له من محو تلك الآثار التي انطبعت منها في نفسه، ولا يكفي مجرد تركها في المستقبل، كما لا يكفي في تصقيل المرآة وظهور الصور فيها قطع الأنفاس والبخارات المسودة لوجهها في المستقبل، ما لم يشتغل بمحو ما انطبع فيها من الآثار، وكما ترتفع إلى النفس ظلمة من المعاصي والشهوات فتظلمها، فكذلك يرتفع نور من الطاعات وترك الشهوات فينورها، ولهذا النور تنمحي ظلمة المعاصي والشهوات، وإليه الإشارة بقوله (ص) (اتبعوا السيئة الحسنة تمحها). فأذن لا يستغني العبد في حال من أحواله من محو آثار السيئات عن قلبه بمباشرة حسنات تضاد آثارها آثار تلك السيئات، في معنى أن تكون الحسنة التي ترتكب لمحو السيئة مناسبة لتلك السيئة، لقوله (ص) (اتق الله حيث كنت) ولأن المرض يعالج بضده فكل ظلمة ارتفعت إلى القلب، فلا يمحوها إلا نور يرتفع إليه من حسنة تضادها، إذ الضد إنما يرتفع بالضد، فيكفر سماع الملاهي بسماع القرآن وبحضور مجالس الذكر، ويكفر القعود في المسجد جنبا بالعبادة فيه، ويكفر مس المصحف محدثا بإكرامه وتقبله وكثرة قراءته، ويكفر شرب الخمر بالتصدق لكل شراب حلال هو أحب إليه.. إلى غير ذلك وليس ذلك - أي إيقاع المناسبة - شرطا في المحو، فقد روي: (أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله: إني عالجت امرأة فأصبت منها كل شئ إلا المسيس، فاقض عليه بحكم الله فقال: أما صليت معنا؟ قال: بلا! فقال: إن الحسنات يذهبن السيئات).
وينبغي أن تكون التوبة عن قرب عهد بالخطيئة، بأن يتندم عليها ويمحو آثارها قبل أن يتراكم الرين على القلب فلا يقبل المحو، قال الله تعالى -:
(إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب) (2) أي عن قرب عهد بعمل السوء. وقال: (وليس التوبة للذين يعملون السيئات