إلا أصل الروح. وكما أن من هذا حاله قريب من الموت ومزايلة الروح الضعيفة المنفردة التي تخلفت عنها الأعضاء التي تمدها وتقويها، فكذلك من ليس له أصل الإيمان وهو مقصر في الأعمال، قريب من أن تنقلع شجرة أيمانه إذا صدمتها الرياح العاصفة المحركة للإيمان في مقدمة قدوم ملك الموت ووروده، فكل إيمان لم يثبت في النفس أصله ولم تنتشر في الأعمال فروعه، لم يثبت على عواصف الأهوال عند ظهور ناصية ملك الموت وخيف عليه سوء الخاتمة، فالمحجوب عن الإيمان الذي هو شعب وفروع سيحجب في الخاتمة عن الإيمان الذي هو أصل، كما أن الشخص الفاقد لجميع الأطراف التي هي فروع لسياق إلى الموت المعدم للروح التي هي أصل، فلا بقاء للأصل دون الفرع، ولا وجود للفرع دون الأصل، ولا فرق بين الأصل والفرع إلا في شئ واحد، وهو أن وجود الفرع وبقاءه جميعا يستدعي وجود الأصل، وأما وجود الأصل فلا يستدعي وجود الفرع ولكن بقاءه يستدعي وجود الفرع، فبقاء الأصل بالفرع ووجود الفرع بالأصل، كمساواة العاصي والمطيع في اسم المؤمن كمساواة شجرة القرع وشجرة الصنوبر في اسم الشجرة، وإنما يظهر الفرق إذا عصفت الرياح القوية، فعند ذلك تنقطع أصول شجرة القرع وتتناثر أوراقها، وتبقى شجرة الصنوبر ثابته على أصلها وفرعها. ومثل العاصي الذي لا يخاف الخلود في النار لأجل معصيته اتكالا على إيمانه بالتوحيد والرسالة، كمثل الصحيح الذي يأكل الأغذية المضرة والسمومات ولا يخاف الموت اتكالا على صحته، فكما يؤدي صحة هذا الصحيح بتناوله السمومات والأغذية إلى المرض والمرض إلى الموت، فكذلك تؤدي ذنوب العاصي إلى سوء الخاتمة إلى الخلود في إلى الموت، فكذلك تؤدي ذنوب العاصي إلى سوء الخاتمة إلى الخلود في النار، فالمعاصي للإيمان كالسمومات والمأكولات المضرة للأبدان فكما أن مضرة السمومات لا تزال تجتمع في الباطن حتى تغير مزاج الأخلاط وهو لا يشعر بها إلى أن يفسد المزاج فيمرض دفعة ثم يموت دفعة، فكل آثار المعاصي لا تزال تتراكم في النفس حتى يفسد مزاجها فيسلب عنها أصل الإيمان، فالخائف من الموت في هذه النشأة القصيرة إذا وجب عليه ترك السموم وما يضره من المأكولات، فالخائف من هلاك الأبد أولى بأن يجب ترك
(٤٥)