مع عدم قدرته عليهما، ولو لم تكن التوبة عما يماثل الشئ في المنزلة والدرجة توبة عن هذا الشئ، لزم أن يكون باب التوبة مسدودا بالنسبة إلى مثل الشيخ الهرم وكل من صدر منه معصية والآن لا يقدر عليها، وهو باطل، لانفتاح باب التوبة إلى الموت، ولما ذكر، قال بعض المشايخ في حد التوبة: (إنها ترك اختيار ذنب سبق مثله منه منزلة لا صورة تعظيما لله وحذرا من سخطه). فقوله: (سبق مثله) احتراز عن ترك ذنب لم يسبق مثله، فإنه لا يسمى توبة بل تقوى، وقوله: (منزلة لا صورة) لإدخال التوبة عما سبق ولا يقدر الآن على فعله، وعلى هذا فتوبة العنين عن النظر واللمس وأمثال ذلك يكون توبة عن الزنا الذي قارفه قبل طريان العنة، والظاهر أن بناء ذلك على دلالة توبته عما يقدر عليه الآن، على أنه لو كان قادرا على الزنا لتركه أيضا، لإشعاره بأن توبته صدرت عن معرفة ويقين بضرر الزنا الذي قارفه قبل طريان العنة، فلو كان قادرا عليه لتركه أيضا.
قال أبو حامد الغزالي: (إن قلت: هل تصح توبة العنين من الزنا الذي قارفه قبل طريان العنة؟ قلت: لا: لأن التوبة عبارة عن ندم يبعث العزم على الترك فيما يقدر على فعله وما لا يقدر على فعله، فقد انعدم بنفسه لا بتركه إياه)، ثم قال: (ولكني أقول: لو طرأ عليه بعد العنة كشف ومعرفة تحقق به ضرر الزنا الذي قارفه، وثار منه احتراق وتحسر وندم بحيث لو كانت شهوة الوقاع باقية لكانت حرقة الندم تقمع تلك الشهوة وتغلبها، فإني أرجو أن يكون ذلك مكفرا لذنبه وماحيا عنه سيئته، إذ لا خلاف في أنه لو تاب قبل طريان العنة ومات عقيب التوبة كان من التائبين، وإن لم تطرأ عليه حالة تهيج فيها الشهوة وتتيسر أسباب قضاء الشهوة، ولكنه تائب باعتبار أن ندمه بلغ مبلغا أوجب صرف قصده عن الزنا لو ظهر قصده، فإذن لا يستحيل أن تبلغ قوة الندم في حق العنين هذا المبلغ إلا أنه لا يعرفه من نفسه، فإن كل من لا يشتهي شيئا يقدر نفسه قادرا على تركه بأدنى خوف، والله مطلع على ضميره وعلى مقدار ندمه، فعساه يقبله منه، بل الظاهر أنه يقبله والحقيقة في هذا كله ترجع إلى أن ظلمة