بمجرد التكلم به، بل الإذعان القلبي واليقين القطعي بأن كل معبود سواه باطل، وكل شئ منه وله وبه وإليه، ولا مؤثر في الوجود إلا هو. فالمتحصن للتوحيد من لا معبود له سوى الله، وأما من اتخذ إلهه هواه، فهو في ميدان الشيطان لا في حصن الله. ومن مكائد اللعين أن يشغلك في الصلاة بفكر الآخرة وتدبير فعل الخيرات، لتمنع من الحضور وفهم ما تقرأ، فاعلم أن كل ما يشغلك عن الإقبال إلى الله وعن فهم معاني القرآن والأذكار، فهو وساوس، إذ حركة اللسان غير مقصودة، بل المقصود المعاني. وإذا قلت: (بسم الله الرحمن الرحيم)، فانو به التبرك لابتدائك بقراءة كلام الله، والمراد بالاسم هنا المسمى، فمعناه: إن كل الأشياء والأمور بالله، فيترتب عليه انحصار (الحمد لله)، إذ المراد بالحمد الشكر، والشكر إنما يكون على النعم، فإذا كانت النعم بأسرها من الله فيكون منحصرا به، فمن يرى نعمة من غير الله أو يقصد غيره سبحانه بشكر لا من حيث أنه مسخر من الله، ففي تسميته وتحميده نقصان بقدر التفاته إلى غير الله سبحانه.
وإذا قلت: (الرحمن الرحيم)، فأحضر في قلبك أنواع لطفه، وضروب إحسانه، لتتضح لك رحمته، فينبعث بها رجاؤك. وإذا قلت: (مالك يوم الدين)، فاستشعر من قلبك التعظيم والخوف، أما العظمة فلأنه لا ملك إلا هو، وأما الخوف فلهول يوم الجزاء والحساب الذي هو مالكه. ثم جدد الإخلاص بقولك: (إياك نعبد). وجدد العجز والافتقار والتبري من الحول والقوة بقولك: (وإياك نستعين)، وتحقق أنه ما تيسرت طاعتك إلا بإعانته وأن له المنة، إذ وفقك لطاعته، واستخدمك لعبادته، وجعلك أهلا لمناجاته ولو حرمك التوفيق لكنت من المطرودين مع الشيطان الرجيم، واستحضر أن الإعانة لا تكون إلا منه، ولا يقدر غيره أن يعين أحدا، فأخرج عن قلبك الوسائل والأسباب إلا من حيث أنها مسخرة منه تعالى. وإذا قلت:
(إهدنا السراط المستقيم)، فاعلم أنه طلب لأهم حاجاتك، وهي الهداية إلى النهج الحق الذي يسوقك إلى جوار الله، ويفضي بك إلى مرضاته ويوصلك إلى مجاورة من أنعم الله عليهم نعمة الهداية من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، دون الذين غضب الله عليهم من الكفار والزائفين