نعمة وبلاء بعينه، فإنه لا يمكن أن يكون الصبر على موت ولد - أعني حبس النفس عن الجزع - هو عين الشكر على النعمة إذ موت الولد بعينه ليس نعمة بل هو مستلزم للنعمة. فالشكر على اللازم، والصبر على الملزوم. فاختلفت جهتا الصبر والشكر، فلا اتحاد . وما ذكرنا من الاتحاد إنما هو الشكر والصبر على النعمة وترك المعصية، أو على البلاء والطاعة.
وندعي أن من وصلت إليه نعمة، فشكر عليها بعرفانها من الله، ففرح بها وعمل بمقتضى الفرح، من التحميد أو طاعة أخرى، كان هذا الشكر عين الصبر عن المعصية هي الكفران، أو على الطاعة التي هي التحميد وغيره.
كذا من ابتلي ببلية، فصبر عليها بحبس نفسه عن الجزع، فهذا الصبر.
عين الشكر بأداء الطاعة التي هي تعظيم الله بكف النفس عن الجزع، أو عن المعصية التي هي الجزع والاضطراب. وهذا الاتحاد والعينية يطرد في كل صبر وشكر، ولا يتحقق شكر لا يكون عن الصبر من هذا الوجه، وبالعكس.
وليس بينهما تضاد وتغاير أصلا، واستلزم واختلاف الجهة إنما هو في 56 الصبر على البلاء والشكر على ما يستلزمه من النعم، ولا يمكن هنا اتحادهما لتضادهما، وفي هذه الصورة يكون كل من الصبر والشكر المتميزين عن الآخر باختلاف الجهة عين الآخر، من حيث ملاحظة الاعتبار السابق فلا يمكن الترجيح في هذه الصورة مع اختلاف الجهة أيضا.
فإن قيل عرفان النعم من الله داخل في حقيقة الشكر، وليس داخلا في الصبر، فينبغي أن يكون الشكر لذلك أفضل من الصبر.
قلنا: في الشق الأول من صورة العينية والاتحاد، يكون عرفان النعمة داخلا في الصبر وفي الشق الثاني منهما، وفي صورة الاستلزام، يدخل عرفان البلاء من الله في الصبر. فكما أن الشاكر يرى نعمة العينين من الله، فكذا الصابر يرى العمى من الله، فهما في المعرفة متساويان. ثم جميع ما ذكر في الفرق بين الصبر والشكر إنما إذا كانت حقيقة الصبر حبس النفس عن الشكوى في البلاء مع الكراهة والتألم (1)، وعلى هذا يكون