أن يستر كل عيب يسمعه من مسلم، فيدخل هذا وأمثاله في جملة شكر نعمة هذه الأعضاء بل قيل: من كفر نعمة العين ولم يستعملها فيما خلقت لأجله كفر نعمة الشمس أيضا، إذ الأبصار إنما يتم بها، وإنما خلقتها ليبصر بهما ما ينفعه في دينه ودنياه، ويقي بهما ما يضره فيهما. بل المراد من خلق السماء والأرض وخلق الدنيا وأسبابها أن يستعين بها على الوصول إلى الله ولا وصول إليه إلا بمحبته والأنس به في الدنيا، والتجافي عن الدنيا وغرورها ولذاتها وعلائقها، ولا أنس إلا بدوام الذكر ولا محبة إلا بالمعرفة الحاصلة بدوام الفكر، ولا يمكن الذكر والفكر إلا ببقاء البدن، ولا يبقى البدن إلا بالأرض والماء والهواء والنار، ولا يتم ذلك إلا بخلق الأرض والسماء وخلق سائر الأشياء وكل، ذلك لأجل البدن. والبدن مطية النفس. والنفس الراجعة إلى الله هي المطمئنة بطول العبادة والمعرفة. فكل من استعمل شيئا بغير طاعة الله فقد كفر نعمة الله في جميع الأسباب التي لا بد منها لإقدامه على تلك المعصية. وإذا عرفت حقيقة الشكر، تعرف بالمقايسة حقيقة الكفران، فإنه عبارة عن الجهل بكون النعم من الله، أو عدم الفرح بالمنعم والنعمة من حيث إيصالها إلى القرب منه، أو ترك استعمال النعمة فيما يحبه المنعم، أو استعمالها في ما يكرهه.
ثم، بما ذكرناه، وإن ظهر أن حقيقة الشكر ملتئمة من الأمور الثلاثة، إلا أنه قد يطلق الشكر على كل واحد أيضا، كما قال الصادق (ع):
(شكر كل نعمة، وإن عظمت، أن تحمد الله)، وقال (ع): (شكر النعم اجتناب المحارم، وتمام الشكر قول الرجل: الحمد لله رب العالمين).
وسئل عنه (ع): (هل للشكر حد إذا فعله العبد كان شاكرا؟ قال: نعم!
قيل: ما هو؟ قال: يحمد الله على كل نعمة عليه في أهل ومال، وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حق أداه. ومنه قوله - جل وعز -:
(سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين (42). ومنه قوله تعالى (رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين) (43). وقوله: (رب أدخلني