وكيله، ولا التدبير الذي عرفه من عادته وسنته دون تصريح إشارته.
الثانية - أن تكون حاله مع الله كحال الطفل مع أمه، فإنه لا يعرف غيرها، ولا يفزع إلا إليها، ولا يعتمد إلا عليها. فإن رآها تعلق في كل حال بذيلها، وإن ورد عليه أمر في غيبتها كان أول سابق لسانه يا أماه!.
والفرق بين هذا وسابقه، إن هذا متوكل قد فنى في موكله عن توكله، أي ليس يلتفت قلبه إلى التوكل، بل التفاته إنما هو إلى المتوكل عليه فقط، فلا مجال في قلبه لغير المتوكل عليه. وأما الأول فتوكل بالكسب والتكلف، وليس فانيا عن توكله، أي له التفات إلى توكله، وذلك شغل صارف عن ملاحظة المتوكل عليه وحده. وهذا أقل وقوعا ودواما من الأول إذ حصوله إنما هو للخواص، وغاية دوامه أن يدوم يوما أو يومين، وينافي التدبيرات، إلا تدبير الفزع إلى الله بالدعاء والابتهال، كتدبير الطفل في التعلق بأمه فقط.
الثالثة - وهي أعلى الدرجات، أن يكون بين يدي الله في حركاته وسكناته مثل الميت بين يدي الغاسل، بأن يرى نفسه ميتا، وتحركه القدرة الأزلية كما يحرك الغاسل الميت. وهو الذي قويت نفسه، ونال الدرجة الثالثة من التوحيد. والفرق بينه وبين الثاني، أن الثاني لا يترك الدعاء والتضرع، كما إن الصبي يفزع إلى أمه، ويصيح ويتعلق بذيلها، ويعدو خلفها، وهذا ربما يترك الدعاء والسؤال ثقة بكرمه وعنايته، فهذا مثال صبي علم أنه لم يرض بأمه، فالأم تطلبه، وإن لم يتعلق بذيلها فهي تحمله، وإن لم يسأل اللبن فهي تسقيه. ومن هذا القسم توكل إبراهيم الخليل (ع) لما وضع في المنجنيق ليرمى به إلى النار، وأشار إليه روح الأمين بسؤال النجاة والاستخلاص من الله سبحانه - فقال: (حسبي من سؤالي علمه بحالي). وهذا نادر الوقوع، عزيز الوجود، فهو مرتبة الصديقين، وإذا وجد فدوامه لا يزيد على صفرة الوجل، أو حمرة الخجل، وهو ينافي التدبيرات ما دام باقيا، إذ يكون صاحبه كالمبهوت. ثم، توكل العبد على الله قد يكون في جميع أموره، وقد يكون في بعضها. وتختلف درجات ذلك بحسب كثرة الأمور المتوكل فيها وقلتها. وقال الكاظم (ع) في قوله