عالم الزور، كما أشير إليه في الكتاب الإلهي بقوله:
(ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (24) وفي أخبار داود (ع): (يا داود! ما لأوليائي والهم بالدنيا؟ إن الهم يذهب حلاوة مناجاتي من قلوبهم، إن محبي من أوليائي أن يكونوا روحانيين لا يغتمون). والحاصل: أن حب الفانيات والتعلق بما من شأنه الفوات خلاف مقتضى العقل، وحرام على العاقل أن يفرح بوجود الأمور الفانية، أو يحزن بزوالها. ولقد قال سيد الأوصياء - عليه آلاف التحية والثناء -: (ما لعلي وزينة الدنيا؟ وكيف أفرح بلذة تفنى، ونعيم لا يبقى؟!).
بل ينبغي أن يرضي نفسه بالموجود، ولا يغتم بالمفقود، ويكون راضيا بما يرد عليه من خير وشر. وقد ورد في الآثار: (إن الله - تعالى - بحكمته وجلاله جعل الروح والفرح في الرضا واليقين)، ومن رضي بالموجود ولا يحزن بالمفقود، فقد فاز بأمن بلا فزع، وسرور بلا جزع، وفرح بلا حسرة، ويقين بلا حيرة، وما لطالب السعادة أن يكون أدون حالا من سائر طبقات الناس، فإن كل حزب بما لديهم فرحون، كالتاجر بالتجارة، والزارع بالزراعة، بل الشاطر بالشطارة، والقواد بالقيادة، مع أن ما هو السبب والموجب المفرح في الواقع ونفس الأمر ليس إلا لأهل السعادة والكمال وما لغيرهم محض التوهم ومجرد الخيال. فينبغي لطالب السعادة أن يكون فرحانا بما عنده من الكمالات الحقيقية والسعادات الأبدية، ولا يحزن على فقد الزخارف الدنيوية، والحطام الطبيعية، ويتذكر ما خاطب الله به نبيه (ص):
(ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى) (25) ومن تصفح فرق الناس، يجد أن كل فرقة منهم فرحهم بشئ من الأشياء، وبه اهتزازهم وقوامهم ونظام أمرهم. فالصبيان فرحهم باللعب وتهيئة أسبابه، وهو في غاية القبح والركاكة عند من جاوز مرتبتهم. والبالغون