والترتيب بينهما فربط المسببات بالأسباب، ورتب بعضها على بعض، وجعل بعضها سببا وواسطة لبعض آخر، وهو مسبب الأسباب. والقدر عبارة عن حصول الموجودات في الخارج من أسبابها المعينة بحسب أوقاتها، مطابقة لما في القضاء، والقضاء عبارة عن ثبوت صور جميع الأشياء في العالم العقلي على الوجه الكلي، مطابقة لما في العناية الإلهية المسماة بالعناية الأولى والعناية عبارة عن إحاطة علم الله - تعالى - بالكل على ما هو عليه إحاطة تامة فنسبة القضاء إلى العناية كنسبة القدر إلى القضاء. ثم، من جملة الأسباب لبعض الأمور الدعاء والتصدق وأمثالهما. فكما أن شرب الماء سبب رتبه مسبب الأسباب لإزالة العطش، ولو لم يشربه لكان عطشه باقيا إلى أن يؤدي إلى هلاكه، وشرب المسهل سبب لدفع الأخلاط الردية، ولو لم يشربه لبقيت على حالها، وهكذا في سائر الأسباب، وكذلك الدعاء سبب رتبه الله - تعالى - لدفع البلايا ورفعها، ولو لم يدع لنزل البلاء ولم يندفع.
فلو قيل: لو كان في علم الله - تعالى - وفي قضائه السابق، أن زيدا - مثلا - يدعو الله، أو يتصدق، عند ابتلائه ببلية كذا، وتندفع به بليته لدعاء أو تصدق، ودفع بليته، ولو كان فيهما أنه لا يدعو الله ولا يتصدق ويبتلي بتلك البلية، لم يدع الله ولم يتصدق، ولم تندفع عنه البلية. والحاصل: إن كل ما تعلقت به العناية الكلية والقضاء الأزلي يحصل مقتضاه في الخارج وعالم التقدير، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر فأي فائدة في سعي العبد واجتهاده قلنا: هذه من جملة شبهات الجبرية على كون العبد مجبورا في فعله ونفي الاختيار عنه، ولا مدخلية لها بكون الدعاء غير مناقض للرضا، وكونه من جملة الأسباب المرتبة منه - تعالى - لحصول مسبباتها، كالتزويج لتحصيل الولد، والأكل والشرب لدفع الجوع والعطش، ولبس الثياب لدفع الحر والبرد، وغير ذلك. ثم الجواب من الشبهة المذكورة وأمثالها مذكور في موضوعها.
وأما إنكار المعاصي وكراهتها، والفرار من أهلها ومن البلد الذي شاعت فيه، فقد تعبد الله به عباده وذمهم على الرضا بها، فقال: