ولا ريب في أن حب الله - تعالى - أشد من كل حب، وشغل القلب به أعظم الشواغل، إذ جمال الحضرة الربوبية وجلالها لا يقاس به جمال، فمن ينكشف له شئ منها، فقد يبهره بحيث يدهش ويخشى عليه، ولا يحس بما يجري عليه.
وثانيهما - - ألا يبلغ الاستغراق في الحب بحيث لا يحس بالألم ولا يدركه، ولكن يكون راضيا به، بل راغبا فيه، مريدا له بعقله، وإن كان كارها له بطبعه، كالذي يلتمس من الفصاد الفصد والحجامة، فإنه يدرك ألمه، إلا أنه راض به وراغب فيه. فالمحب الخالص لله إذا أصابته بلية من الله، وكان على يقين بأن ثوابها الذي ادخر له فوق ما فاته، رضي بها ورغب فيها، وأحبها وشكر الله عليها. هذا إن كان نظره إلى الثواب والأجر الذي يجازى به على ابتلائه بالمصائب والبلايا، وربما غلب الحب بحيث يكون حظ المحب ولذته وابتهاجه في مراد حبيبه ورضاه لا لمعنى آخر فيكون مراد حبيبه ورضاه محبوبا عنده مطلوبا، وكل ذلك مشاهد محسوس في حب الخلق، فضلا عن حب الخالق والجمال الأزلي الأبدي الذي لا منتهى لكماله المدرك بعين البصيرة التي لا يعتريها الغلط والخطأ، فإن القلوب إذا وقفت بين جماله وجلاله، فإذا لاحظوا جلاله هابوا، وإذا لاحظوا جماله تاهوا ويشهد بذلك حكايات المحبين، على ما هو في الكتب مسطورة، وفي الألسنة والأفواه مذكور. فإن للحب عجائب من لم يذق طعمها لا يعرفها.
وقد روينا: أن أهل مصر مكثوا أربعة أشهر لم يكن لهم غذاء إلا النظر إلى وجه يوسف الصديق (ع)، كانوا إذا جاعوا نظروا إلى وجهه، فشغلهم جماله عن الاحساس بألم الجوع. بل في القرآن ما هو أبلغ من ذلك، وهو قطع النسوة أيديهن لاستهتارهن بملاحظة جماله، حتى ما أحسسن بذلك. وروي (أن عيسى (ع) مر برجل أعمى وأبرص، مقعد مفلوج، وقد تناثر لحمه من الجذام، وهو يقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرا من الناس فقال عيسى: يا هذا! أي شئ من البلاء تراه مصروفا عنك؟ فقال: يا روح الله! أنا خير ممن لم يجعل الله في قلبه ما جعل في قلبي من معرفة، فقال:
صدقت! هات يدك، فناوله يده، فإذا هو أحسن الناس وجها، وأفضلهم