حد الرجولة، بعضهم فرحان بالدرهم والدينار، وبعضهم بالضياع والعقار وأخر بالاتباع والانصهار، وفرقة بالنسوان والأولاد، وطائفة بالحرف والصنايع، وبعضهم بالحسب والنسب، والآخر بالجاه والمنصب، وبعضهم بالقوة الجسمانية، وأخر بالجمال الصوري، وطائفة بالكمالات الدنيوية:
كالخط والشعر، وحسن الصوت، والطب، والعلوم الغريبة، وغير ذلك، حتى ينتهي إلى من لا يفرح إلا بالكمالات النفسية والرياسات المعنوية وهم أيضا مختلفون، فبعضهم غاية فرحه بالعبادة والمناجاة، وآخر بمعرفة حقائق الأشياء، حتى يصل إلى من ليس فرحه إلا بالأنس بحضرة الربوبية، والاستغراق في لجة أنواره، وسائر المراتب عنده فيئ زائل وخيال باطل. ولا ريب في أن العاقل يعلم أن ما ينبغي أن يفرح ويبتهج به حصول هذه المرتبة وسائر الأمور، كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء. فلا ينبغي للعاقل أن يحزن بفقدها ويفرح بوجودها. ثم من تأمل، يجد أن الحزن ليس أمرا وجوديا لازما، بل هو أمر اختياري يحدثه الشخص في نفسه بسوء اختياره. إذ كلما يفقد من شخص ويحزن لأجله ليس موجودا لكثير من الناس، بل ربما لم يملكوه في مدة عمرهم أصلا، ومع ذلك لا تجدهم محزونين على هدمه، بل فرحون راضون، ولو كان الحزن لازما لفقد هذا الأمر، لكان كل من فقده محزونا، وليس كذلك. وأيضا كل حزن يعرض لأجل مصيبته يزول بعد زمان ويتبدل بالسرور، ولو كان الحزن لأجلها أمر ضروريا لازما لما زال أصلا.
ثم العجب من العاقل أن يحزن من فقد الأمور الدنيوية، مع أنه يعلم أن الدنيا دار فناء، وزخارفها متنقلة بين الناس، ولا يمكن بقاؤها لأحد، وجميع الأسباب الدنيوية ودائع الله ينتقل إلى الناس على سبيل التبادل والتناوب. ومثلها مثل شمامة تدار في مجلس بين أهله على التناوب، يتمتع بها في كل لحظة واحد منهم، ثم يعطيها غيره. فطامع البقاء للحطام الدنيوية كمن طمع في ملكية الشمامة واختصاصها به إذا وصلت إليه نوبة الاستمتاع، وذا استردت منه عرض له الحزن والخجلة. وما المال والأهلون إلا ودائع، ولا بد يوما أن ترد الودائع. فلا ينبغي للعاقل أن