فوائد ومفاسد، فنقول: الظاهر من جماعة: تفضيل العزلة على المخالطة مطلقا. والظاهر من الأخرى: عكس ذلك.
نظر الأولين إلى أطلاق ما ورد في مدح العزلة، وإلى فوائدها وما ورد في مدحها، كقول النبي (ص): (أن الله يحب العبد التقي الخفي)، وقوله (ص): (أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، ثم رجل معتزل في شعب من الشعاب)، وقوله (ص) لمن سأله عن طريق النجاة: (ليسعك بيتك، وأمسك عليك دينك، وابك على خطيئتك)، وقول الصادق (ع): (فسد الزمان، وتغير الأخوان، وصار الانفراد أسكن للفؤاد)، وقوله (ع): (أقلل معارفك، وأنكر من تعرف منهم)، وقوله (ع): (صاحب العزلة متحصن بحصن الله تعالى، ومحرس بحراسته، فيا طوبى لمن تفرد به سرا وعلانية! وهو يحتاج إلى عشر خصال: علم الحق والباطل، وتحبب الفقر، واختيار الشدة، والزهد، واغتنام الخلوة، والنظر في العواقب، ورؤية التقصير في العباد مع بذل المجهول، وترك العجب، وكثرة الذكر بلا غفلة، فإن الغفلة مصطاد الشيطان ورأس كل بلية وسبب كل حجاب، وخلوة البيت عما لا يحتاجه إليه في الوقت. قال عيسى بن مريم عليهما السلام: (أخزن لسانك لعمارة قلبك، وليسعك بيتك، واحذر من الرياء وفضول معاشك، واستح من ربك، وابك على خطيئتك وفر من الناس فرارك من الأسد والأفعى فإنهم كانوا دواء فصاروا اليوم داء ثم الق الله متى شئت) قال ربيع بن خثيم: (إن استطعت أن تكون اليوم في موضع لا تعرف ولا تعرف فافعل ففي العزلة صيانة الجوارح وفراغ القلب وسلامة العيش، وكثر سلاح الشيطان، والمجانبة من كل سوء وراحة القلب، وما من نبي ولا وصي إلا واختار العزلة في زمانه، إما في ابتدائه وإما في انتهائه) (6) وأما فوائد العزلة، فكالفراغ للعبادة، والذكر والفكر، والاستيناس بمناجاة الله والاشتغال باستكشاف أسرار الله في ملكوت السماوات والأرض