(إن الله كان عليكم رقيبا) (36). وقال: (ألم يعلم بأن الله يرى) (37).
وقال رسول الله (ص): (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تراه فإنه يراك). وفي الحديث القدسي: ((إنما يسكن جنات عدن، الذين إذا هموا بالمعاصي ذكروا عظمتي فراقبوني، والذين انحنت أصلابهم من خشيتي، وعزتي وجلالي! إني لأهم بعذاب أهل الأرض، فإذا نظرت إلى أهل الجوع والعطش من مخافتي صرفت عنهم العذاب).
وحكي: (أن زليخا لما خلت بيوسف، فقامت وغطت وجه صنمها، فقال يوسف: مالك؟ أتستحيين من مراقبة جماد ولا أستحيي من مراقبة الملك الجبار؟!). وهذه المعرفة - أعني معرفة اطلاع الله على العباد وأعمالهم وسرائرهم وكونه رقيبا عليهم - إذا صارت يقينا - أي خلت عن الشك - ثم استولت على القلب سخرت القلب وقهرته على مراعاة جانب الرقيب وصرفت الهمة إليه، والموقنون بهذه المعرفة مراقبتهم على درجتين: إحداهما مراقبة المقربين، وهي مراقبة التعظيم والاجلال، وهي أن يصير القلب مستغرقا بملاحظة الجلال، ومنكسرا تحت الهيبة، فلا يبقى فيه متسع للالتفات إلى الغير، وهذا هو الذي صار همه هما واحدا، وكفاه سائر الهموم، وأخراهما مراقبة الورعين من أصحاب اليمين، وهم قوم غلب عليهم يقين اطلاع الله على ظهورهم وبواطنهم، ولكن لا تدهشهم ملاحظة الجلال والجمال بل بقيت قلوبهم على حد الاعتدال متسعة للالتفات إلى الأحوال والأعمال والمراقبة فيها، وغلب عليهم الحياء من الله، فلا يقدمون ولا يجمعون إلا بعد التثبت، ويمتنعون عن كل ما يفتضحون به في القيامة، فإنهم يرون الله مطلعا عليهم، فلا يحتاجون إلى انتظار القيامة. ثم ينبغي للعبد ألا يغفل عن مراقبة نفسه والتضييق عليها في لحظة من حركاتها وسكناتها وخطراتها وأفعالها.
وحالاته لا تخلو عن ثلاثة، لأنه إما أن تكون في طاعة، أو معصية، أو مباح. فمراقبته في الطاعة، بالقربة، والاخلاص، والحضور، والاكمال