يصدر منها شئ يوجب سخط الله، ولا يقصر في شئ من الطاعات الواجبة، ولا يترك ما تيسر له من الخيرات والنوافل. والأولى أن يكون ذلك بعد الفراغ عن فريضة الصبح وتعقيباتها، فيخاطب النفس ويقول لها: يا نفس مالي بضاعة سوى العمر، ومهما فنى رأس المال، ووقع اليأس عن التجارة وطلب الربح، وهذا اليوم الجديد، وقد أمهلني الله فيه بعظيم لطفه ولو توفاني لكنت أتمنى أن يرجعني إلى الدنيا يوما واحدا لأعمل صالحا فاحسبي أنك توفيت ثم رددت، فإياك أن تضيعي هذا اليوم، فإن كل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفسية لا عوض لها، يمكن أن يشتري بها كنزا من الكنوز لا يتناهى نعيمها أبدا الآباد. ويتذكر ما ورد في بعض الأخبار: من أن كل عبد خلقة له بإزاء كل يوم وليلة من عمره أربع وعشرون خزانة مصفوفة.
فإذا مات تفتح له هذه الخزائن، ويشاهد كل واحد منها ويدخلها، فإذا فتحت له خزانة خلقت بإزاء الساعة التي أطاع الله فيها، يراها مملوءة نورا من حسناته التي عملها في تلك الساعة، فيناله من الفرح والاستبشار بمشاهدة تلك الأنوار التي هي وسائل عند الملك الجبار ما لو وزع على أهل النار لأدهشهم ذلك الفرح عن الاحساس بألم النار، وإذا فتحت له خزانة خلقت بإزاء الساعة التي عصى الله فيها، يراها سوداء مظلمة يفوح نتنها ويتغشأ ظلامها، فيناله من الهول والفزع ما لو قسم على أهل الجنة لينقص عليهم نعيمها، فإذا فتحت له خزانة بإزاء الساعة التي نام فيها أو غفل أو اشتغل بشئ من مباحات الدنيا لم يشاهد فيها ما يسره ولا ما يسوؤه، وهكذا يعرض عليه عدد ساعات عمره الخزائن، وعند ذلك يتحسر العبد على إهماله وتقصيره، ويناله من الغبن ما لا يمكن وصفه، وبعد هذا التذكر يخاطب نفسه ويقول: اجتهدي اليوم في أن تعمري خزائنك، ولا تدعيها فارغة عن كنوزك التي هي أسباب ملكك ولا تركني إلى الكسل والبطالة فيفوتك من درجات العليين ما يدركه غيرك فتدركك الحسرة والغبن يوم القيامة إن دخلت الجنة، إذ ألم الغبن والحسرة وانحطاط الدرجة مع وجود ما فوقها من الدرجات الغير المتناهية التي نال إليها أبناء نوعك مما لا يطاق، ثم يستأنف لها وصية في أعضائه السبعة: أعني العين، والأذن، واللسان، والفرج، والبطن، واليد، والرجل، ويسلمها