وحراستها عن الآفات، ومراعاة الأدب. ومراقبته في المعصية: بالتوبة، والندم، والاقلاع، والحياء، والاشتغال بالتكفير. ومراقبته في المباح:
بمراعاة الأدب، بأن يأكل بعد التسمية، وغسل اليدين، وسائر الآداب المقررة في الشرع للأكل، ويقعد مستقبل القبلة، وينام بعد الوضوء على اليد اليمنى مستقبل القبلة، وبالصبر عند ابتلائه ببلية ومصيبة، وبالشكر عند كل نعمة، ويتذكر عند شهود المنعم وحضوره، ويكف النفس عن الغضب وسوء الخلق عند حدوث أمر تميل النفس عنده إلى الغضب والتضجر والتكلم بما لا يحسن من الأقوال، فإن لكل واحد من أفعاله وأقواله حدودا لا بد من مراعاتها بدوام المراقبة، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه.
وينبغي ألا يخلو عند اشتغاله بالمباحات عن عمل هو الأفضل، كالذكر والفكر وتخليص النية، فإن الطعام الذي يتناوله من عجائب صنع الله، فلو تفكر فيه وتدبر في فوائده وحكمه وما فيه من غرائب قدرة الله لكان ذلك أفضل من كثير من أعمال الجوارح، والناس عن الأكل على أقسام:
(قسم) ينظرون فيه بعين التبصر والاعتبار، فينظرون في عجائب صنعته وكيفية ارتباط قوام الحيوانات به، وكيفية تقدير الله لأسبابها وخلق الشهوة الباعثة عليها وخلق الآلات المسخرة للشهوة وأمثال ذلك، وهؤلاء هم أولو الألباب. (وقسم)، ينظرون فيه بعين المقت والكراهة، ويلاحظون وجه الاضطرار إليها ويتمنون الاستغناء عنه، وعدم كونهم مقهورين مسخرين بشهوته، وهؤلاء هم الزهاد. (وقسم) يرون فيه خالقه، ويشاهدون في الصنع الصانع ويترقون منه إلى صفات الخالق، من حيث أن كل معلول أثر العلة، ورشحة من رشحات ذاته وصفاته، فمشاهدته تذكر العلة بل التأمل يرشدك إلى أن دلالة كل ذرة ترى من ذرات العالم على ربك وخالقك وإيجابها لحضوره عندك وظهوره لديك وتوجهه إليك وقربه منك أشد وأقوى من دلالة مشاهدتك بدن زيد وصورته وحركاته وسكناته على وجوده وحضوره عندك، وسر ذلك ظاهر واضح. وهؤلاء المشاهدون الصانع في كل مصنوع، والخالق في كل مخلوق، هم العرفاء المحبون، إذ المحب إذا رأى صنعة حبيبه وتصنيفه وآثاره وما ينتسب إليه اشتغل قلبه