بالليل، فإن مات صاحبه مات شهيدا، وإن عاش واستقام أداه عاقبته إلى الرضوان الأكبر، قال الله عز وجل:
(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) (38).
وإذا رأيت مجتهدا أبلغ منك في الاجتهاد، فوبخ نفسك ولمها وعيرها، تحثيثا على الازدياد عليه، واجعل لها زماما من الأمر، وعنانا من النهي، وسقها كالرابض للفارة الذي لا يذهب عليه خطوه من خطواته إلا وقد صح أولها وآخرها، وكان رسول الله (ص) يصلي حتى تورمت قدماه، ويقول:
(أفلا أكون عبدا شكورا)، أراد أن يعتبر به أمته. فلا تغفلوا عن الاجتهاد والتعبد والرياضة بحال. ألا وإنك لو وجدت حلاوة عبادة الله، ورأيت بركاتها واستضأت بنورها، لم تصبر عنها ساعة واحدة ولو قطعت أربا أربا، فما أعرض عنها من أعرض إلا بحرمان فوائد السلف من العصمة والتوفيق) (39). قيل لربيع بن خيثم: ما لك لا تنام بالليل؟ قال:
(لأني أخاف البيات). والأخبار الواردة في فضل السعي والاجتهاد ومخالفة النفس والهوى أكثر من أن تحصى.
الثاني - مصاحبة أهل السعي، والاجتهاد في العبادة، ومجالسة المجاهدين المرتاضين الذين لا ينفكون ساعة من مشاق الطاعات والعبادات وإلزام نفوسهم على ضروب النكال والعقوبات، فملاحظة أحوالهم ومشاهدة أعمالهم أقوى باعث للاقتداء بآثارهم وأفعالهم، حتى قال بعضهم: (إذا اعترتني فترة في العبادات، نظرت إلى بعض العباد واجتهاده في العبادة فكنت بعد ذلك أعمل أسبوعا)، إلا أن ذلك غير مرجو في أمثال زماننا، إذ لم يبق في عباد الله من يجتهد في العباد ة اجتهاد الأولين، وليس فينا من تقرب عبادته عبادة أدنى رجل من سلفنا الصالحين. فينبغي أن يعدل من المشاهدة إلى سماع أحوالهم، ومطالعة حكاياتهم وأخبارهم، ومن لاحظ حكاياتهم وسمع أحوالهم وأطلع على كيفية اجتهادهم في طاعة الله، يعلم أنهم