جسده فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه. والآيات والأخبار الواردة في محاسبة الأعمال والسؤال عن القليل والكثير والنقير والقطمير أكثر من أن تحصى، وبإزائها أخبار دالة عن الأمر بالمحاسبة والمراقبة في الدنيا والترغيب عليها، وعلى كونها سببا للنجاة والخلاص عن حساب الآخرة. وخطره ومناقشته. فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب، وطالبها في الأنفاس والحركات، وحاسبها في الخطرات واللحظات، ووزن بميزان الشرع أعماله وأقواله: خف في القيامة حسابه وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه. ومن لم يحاسب نفسه: دامت حسراته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي سيئاته قال الله سبحانه:
(ولتنظر نفس ما قدمت لغد) (34).
والمراد بهذا النظر: المحاسبة على الأعمال وقال رسول الله (ص):
(حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا). قال الصادق (ع): (إذا أراد أحدكم ألا يسأل ربه شيئا إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم، ولا يكون له رجاء إلا من عند الله - تعالى - فإذا علم الله - تعالى - ذلك من قلبه لم يسأله شيئا إلا أعطاه فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها فإن للقيامة خمسين موقفا. وكل موقف ألف سنة ثم تلا:
(في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) (35) وتفريع المحاسبة على الأمر باليأس عن الناس والرجاء من الله، يدل على أن الإنسان أنما يرجو الناس من دون الله في عامة أمره وهو غافل عن ذلك، وإن عامة المحاسبات إنما ترجع إلى ذلك، وذكر الوقوف في مواقف يوم القيامة على الأمر بمحاسبة النفس يدل على أن الوقفات هناك إنما تكون للمحاسبات، فمن حاسب نفسه في الدنيا يوما فيوما لم يحتج إلى تلك الوقفات في ذلك اليوم، وقال (ع): (لو لم يكن للحساب مهول إلا حياء العرض على الله - تعالى - وفضيحة هتك الستر على المخفيات، لحق للمرء ألا يهبط من رؤوس الجبال، ولا يأوي إلى عمران، ولا يأكل، ولا يشرب، ولا ينام إلا