كلم الله) (1)، وعلامتها إمكان سد بعض مسدها، كقراءة ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه: (حتى تنفقوا بعض ما تحبون) (2)؛ ومنه قوله تعالى: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع) (3)، فمن هنا اقتضى التبعيض لأنه كان ترك فيه بعض ذريته.
والثالث: لبيان الجنس، وكثيرا ما تقع بعدما ومهما وهما بها أولى لإفراط إبهامهما، كقوله تعالى: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها) (4)، وقوله تعالى: (ما ننسخ من آية) (5)، وقوله تعالى: (مهما تأتنا به من آية) (6)؛ ومن وقوعها بعد غيرهما قوله تعالى: (يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق) (7)، ونحو: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) (8).
والفرق بين من للتبعيض ومن للتبيين أنه كان للتبعيض يكون ما بعده أكثر مما قبله كقوله تعالى: (وقال رجل مؤمن من آل فرعون) (9)، وإن كان للتبيين كان ما قبله أكثر مما بعده كقوله تعالى : (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) وأنكر مجيء من لبيان الجنس قوم وقالوا: هي في (من ذهب) و (من سندس) للتبعيض، وفي (من الأوثان) للابتداء، والمعنى فاجتنبوا من الأوثان الرجس وهو عبادت ها وفيه تكلف، وقوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) (10)، للتبيين لا للتبعيض كما زعم بعض الزنادقة الطاعنين في بعض الصحابة، والمعنى الذين هم ه ؤلاء؛ ومنه قوله تعالى: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم) (11)، وكلهم محسن متق، وقوله: (ولئن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفر وا منهم عذاب أليم) (12)، والمقول فيهم ذلك كلهم كفار.
* قلت: ومنه قوله تعالى: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه) (13)، فإن من هنا للجنس، أي كلوا الشيء الذي هو مهر.
وقال الراغب: وتكون لاستغراق الجنس في النفي والاستفهام نحو: (فما منكم من أحد عنه حاجزين) (14).
* قلت: وقد جعلت هذه المعاني الثلاثة في آية واحدة وهو قوله تعالى: (وينزل من السماء من جبال فيها من برد) (15)، فالأولى لابتداء الغاية والثانية للتبعيض، والثالثة للبيان.
وقال الراغب: تقديره: ينزل من السماء جبالا، فمن الأولى لابتداء الغاية (16)، والثانية ظرف في موضع المفعول، والثالثة للتبعيض كقولك عنده جبال من مال، وقيل: يحتمل أن يكون حمل على ا لظرف على أنه منزل عنه، وقوله: (من برد) نصب أي ينزل من السماء (من جبال) فيها بردا؛ وقيل: موضع من في قوله: (من برد) رفع، ومن جبال نصب على أنه مفعول به كأنه في التقدير وينزل من السماء جبالا فيها برد، وتكون الجبال على هذا تعظيما وتكثيرا لما نزل من السماء.
و (*) الرابع: بمعنى التعليل كقوله تعالى: (مما خطاياهم أغرقوا) (17)، وقوله:
* وذلك من نبإ جاءني (18) *