يصف ناقة حاملا:
أوكت عليه مضيقا من عواهنها * كما تضمن كشح الحرة الحبلا (1) عليه: أي على الجنين.
وكل ما جعلته في وعاء فقد ضمنته إياه.
وفي العين: كل شيء أحرز فيه شيء فقد ضمنه؛ قال.
* ليس لمن ضمنه تربيت (2) * أي أودع فيه وأحرز يعني القبر الذي دفنت فيه الموؤدة.
والمضمن، كمعظم، من الشعر: ما ضمنته بيتا، هذا من اصطلاحات أهل البديع. ومن البيت: ما لا يتم معناه إلا بالذي يليه، هذا من اصطلاحات أهل القوافي.
قال ابن سيده: وليس ذلك بعيب عند الأخفش.
وقال ابن جني: هذا الذي رواه أبو الحسن من أن التضمين ليس بعيب، مذهب تراه العرب وتستجيزه، ولم يعب (3) فيه مذهبهم من وجهين: أحدهما السماع، والآخر: القياس، أما السماع فلكثرة ما يرد عنهم من التضمين، وأما القياس فلأن العرب قد وضعت الشعر وضعا دلت به على جواز التضمين، وذلك ما أنشده أبو زيد وسيبويه وغيرهما من قول الربيع بن ضبع الفزاري:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا * أملك رأس البعير إن نفرا والذئب أخشاه إن مررت به * وحدي وأخشى الرياح والمطرا (4) فنصب العرب الذئب هنا، واختيار النحويين له من حيث كانت قبله جملة مركبة من فعل وفاعل، وهي قوله لا أملك، يدلك على جريه عند العرب والنحويين جميعا مجرى قولهم: ضربت زيدا وعمرا لقيته، فكأنه قال: ولقيت عمرا لتجانس الجملتين في التركيب، فلولا أن البيتين جميعا عند العرب يجريان مجرى الجملة الواحدة لما اختارت العرب والنحويون جميعا نصب الذئب، ولكن دل على اتصال أحد البيتين بصاح به وكونهما معا كالجملة المعطوف بعضها على بعض، وحكم المعطوف والمعطوف عليه أن يجريا مجرى العقدة الواحدة، هذا حكم القياس في حسن التضمين، إلا أن بإزائه شيئا آخر يقبح التضمين لأجله، وهو أن أبا الح سن وغيره قد قالوا: إن كل بيت من القصيدة شعر قائم بنفسه، فمن هنا قبح التضمين شيئا، ومن حيث ذكرنا من اختيار النصب في بيت الربيع حسن، وإذا كانت الحال على هذا فكلما ازدادت حاجة البيت الأول إلى الث اني واتصل اتصالا شديدا كان أقبح مما لم يحتج الأول فيه إلى الثاني هذه الحاجة؛ قال: فمن أشد التضمين قول الشاعر روي عن قطرب وغيره:
وليس المال فاعلمه بمال * من الأقوام إلا للذي يريد به العلاء ويمتهنه * لأقرب أقربيه وللقصي (5) فضمن بالموصول والصلة على شدة اتصال كل واحد منهما بصاحبه؛ وقال النابغة:
وهم وردوا الجفار على تميم * وهم أصحاب يوم عكاظ إني شهدت لهم مواطن صادقات