أشد حالا من الفقير، قال: وقلت لأعرابي أفقير أنت؛ فقال: لا والله بل مسكين.
وفي الحديث: ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، وإنما المسكين الذي لا يسأل ولا يفطن له فيعطى، انتهى.
وقد تقدم الفرق بين المسكين والفقير أن الفقير الذي له بعض ما يقيمه، والمسكين أسوأ حالا من الفقير؛ نقله ابن الأنباري عن يونس، وهو قول ابن السكيت، وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة، رضي الله عنهما، واستتدل يونس بقول الراعي:
أما الفقير الذي كانت حلوبته * وفق العيال فلم يترك له سبد (1) فأثبت أن للفقير حلوبة وجعلها وفقا لعياله.
وروي عن الأصمعي أنه قال: المسكين أسوأ حالا من الفقير، وإليه ذهب أحمد بن عبيد، رحمه الله تعالى، قال: وهو القول الصحيح عندنا؛ وإليه ذهب علي بن حمزة الأصبهاني اللغوي، ويرى أنه الصواب وما سواه خطأ، ووافق قولهم قول الإمام الشافعي، رضي الله عنه.
وقال قتادة: الفقير الذي به زمانة، والمسكين الصحيح المحتاج.
وقال زيادة الله بن أحمد: الفقير القاعد في بيته لا يسأل، والمسكين: الذي يسأل.
وأما قوله، صلى الله عليه وسلم اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين، فإنما أراد به التواضع والإخبات وأن لا يكون من الجبارين المتكبرين، أي خاضعا لك يا رب ذليلا غير متك بر، وليس يراد بالمسكين هنا الفقير المحتاج، وقد استعاذ، صلى الله عليه وسلم من الفقر، ويمكن أن يكون من هذا قوله تعالى: (أما السفينة فكانت لمساكين) (2)، سماهم مساكين لخضوعم وذلهم من جور الملك ، وقد يكون المسكين مقلا ومكثرا، إذ الأصل فيه أنه من المسكنة، وهي الخضوع والذل.
وقال ابن الأثير: يدور معنى المسكنة على الخضوع والذلة وقلة المال والحال السيئة.
ج مساكين، وإن شئت قلت: مسكينون، كما تقول فقيرون.
قال الجوهري: وإنما قالوا ذلك من حيث قيل للإناث مسكينات لأجل دخول الهاء، انتهى.
وقال أبو الحسن: يعني أن مفعيلا يقع للمذكر والمؤنث بلفظ واحد نحو محضير ومئشير، وإنما يكون ذلك ما دامت الصيغة للمبالغة، فلما قالوا مسكينة يعنون المؤنث ولم يقصدوا به المبالغة شبهوها ب فقيرة، ولذلك ساغ جمع مذكره بالواو والنون.
وسكن الرجل وتسكن، عن اللحياني على القياس وهو الأكثر الأفصح، كما قاله ابن قتيبة، وتمسكن كما قالوا تمدرع من المدرعة وهو شاذ مخالف للقياس، نقله الجوهري؛ صار مسكينا.
وقد جاء في الحديث أنه قال للمصلي: تبأس وتمسكن وتقنع يديك.
قال القتيبي: كان القياس تسكن إلا أنه جاء في هذا الحرف تمفعل، ومثله تمدرع وأصله تدرع، ومعنى تمسكن: خضع لله وتذلل.
وقال اللحياني: تمسكن لربه: تضرع.
وقال سيبويه: كل ميم كانت في أول حرف فهي مزيدة إلا ميم معزى، وميم معد، وميم منجنيق، وميم مأجج، وميم مهدد.
وهي مسكين ومسكينة، شاهد المسكين للأنثى قول تأبط شرا:
قد أطعن الطعنة النجلاء عن عرض * كفرج خرقاء وسط الدار مسكين (3)