التورية لا يتحقق الاكراه على الكذب.
قلت حكم العقل بقبح الكذب لا يمنع من ترخيص الشارع فعله لمصلحة ولو كانت هو التسهيل على العباد كما رخصه من جهة الاصلاح وغيره وإطلاقات الأخبار المتقدمة كاشفة عن اذن الشارع ولو كان قادرا على التورية وقد أجاب الأستاذ العلامة أنه من باب الاستعفاء فتأمل (1).
فإن قلت لا إطلاق لتلك الأخبار ينفع في المقام لأنها وردت مورد الغالب وهو عدم الالتفات إلى التورية أو الجهل بها كما حملها العلامة عليه في بعض كتبه فليس في الحكم بعدم جواز الكذب في صورة الالتفات إليها مجذور ارتكاب خلاف الظاهر فيها من دون قرينة تقضي به.
قلت حمل تلك الأخبار الكثيرة على الصورة المذكورة وإن كانت غالبة خلاف ظاهرها وهي آبية على كثرتها من الحمل عليها على فرض تسليم غلبتها.
نعم هنا شئ يمكن التمسك به لمذهب المشهور وهو ان رواية سماعة الظاهرة الاختصاص بصورة الاضطرار بحيث ينتفي جواز الكذب في غيرها من جهة المفهوم أخص مطلقا من الأخبار المذكورة فيرفع بسببه اليد عنها حملا للمطلق على المقيد والعام على الخاص ولو كانت النسبة بينهما عموما من وجه أيضا حسبما سمعت من الأستاذ وإن لم نعرف وجهه لكفى إذ نرجع في مورد الاجتماع إلى العمومات السالمة عن المعارض الدالة على حرمة الكذب وإلى حكم العقل المذكور هنا اللهم إلا أن يقال إن الأخبار المذكورة مع جهة كثرتها أقوى دلالة من الرواية المذكورة فتأمل فالأولى أن لا يترك الاحتياط في ترك الكذب مع القدرة على التورية.
ثم إن هنا إشكالا على المشهور أول من أورد عليهم به الأستاذ العلامة دام ظله العالي على ما وقفنا عليه وهو انه ما الفرق بين الاضطرار بالكذب والاكراه على الطلاق والبيع ونحوهما من العقود والايقاعات حيث ذهبتم إلى عدم تحقق الأول من إمكان التورية وإلى تحقق الثاني مع إمكانها حسبما صرح به جماعة و يظهر من آخرين فإن الطلاق مثلا ليس مجرد التلفظ بلفظ هي طالق بل الطلاق هو المعنى الانشائي القائم باللفظ على وجه المدلولية وما أكره عليه الرجل إنما هو اللفظ لا المعنى فإذا اختار الرجل مع التمكن عن التورية معنى الطلاق باختياره فكيف يقال إنه أكره عليه ويستدل على عدم صحته إذا لم يتعقبه الرضاء بقوله (صلى الله عليه وآله) في الحديث المشهور وما استكرهوا عليه ولا يستدل على جواز الحلف كاذبا في صورة التمكن من التورية بقوله (صلى الله عليه وآله) فيه وما اضطروا إليه مع أن كثيرا من الموارد إذا أكره على الطلاق ونحوه كما هو المشاهد في أكثر العوام يوقع الصيغة بالاختيار والرضاء زعما منهم انه إذا أكره الشخص على الطلاق مثلا يقع صحيحا في الخارج فيقصدون وقوع مضمونه في الخارج بانيا على رفع اليد عن المرأة المطلقة مع أن ظاهرهم عدم الحكم بصحته وان استشكل الأستاذ العلامة فيه هذا.
وذكر الأستاذ العلامة في توجيه الفرق في المكاسب ما هذا لفظه ويمكن أن يفرق بين المقامين بأن الاكراه إما يتعلق بالبيع الحقيقي أو الطلاق الحقيقي غاية الأمر قدرة المكره على التفصي عنه بإيقاع الصورة من دون إرادة المعنى لكنه غير المكره عليه وحيث إن الاخبار خالية عن اعتبار العجز عن التفصي بهذا الوجه لم يعتبر ذلك في حكم الاكراه وهذا بخلاف الكذب فإنه لم يسوغ إلا عند الاضطرار إليه ولا اضطرار مع القدرة.