ومنها خبر غياث عن أبي عبد الله (عليه السلام) ان أمير المؤمنين (عليه السلام) اختصم إليه رجلان في دابة كلاهما أقاما البينة انه أنتجها فقضى بها للذي هي في يده وقال لو لم يكن في يده جعلتها بينهما نصفين.
ومنها خبر تميم بن طرفة ان رجلين ادعيا بعيرا فأقام كل واحد منهما بينة فجعله أمير المؤمنين (عليه السلام) بينهما إلى غير ذلك وبعد حمل مطلقها كما في الأخيرين على مقيدها كما في الأول يتحصل منها ان الميزان في الفرض هو التنصيف بعد التحالف.
وأنت بعدما عرفت ما تلونا عليك من الاخبار وكيفية الحمل فيها علمت أنه لا يمكن حمل ما دل على التنصيف على ما في بعض اخبار القرعة من الحكم بالتنصيف فيما إذا أنكل من خرجت باسمه القرعة لان الحمل عليه ينافي حمله على التنصيف بعد التحالف مضافا إلى بعد هذا الحمل عن سياق الخبر غاية البعد لاستلزامه تقديرا كثيرا يأبى عنه سياق الكلام كما انك علمت أنه لا يمكن الجمع بينهما بحمل أحدهما على قضية في واقعة لما قد عرفت مرارا من أن ذكر القضاء في الواقعة في مقام الاستشهاد والاستدلال دليل على إرادة العموم منه.
نعم اخبار القرعة أعم مطلقا عن بعض أخبار التنصيف من حيث شمولها للمسببتين والمطلقتين والمختلفتين واختصاصه بالمسببتين فكما انه يجب حمل ما دل على التنصيف مطلقا عليه ان ثبت هنا اتحاد تكليف كذلك يجب حمل اخبار القرعة عليه والحكم باختصاصها بالمطلقتين أو الأعم منهما ومن المختلفتين إن لم نقل بخروج هذه الصورة عن تحت أخبار القرعة لكونها من موارد الجمع المقدم على الطرح ولو في الجملة حسبما عليه بناء أكثر الأصحاب.
وما يقال إن في بعض أخبار القرعة ما يكون مباينا لذلك الخبر لاختصاصه أيضا بالمسببتين مثل موثقة سماعة من حيث كونها ظاهر الاختصاص بهذه الصورة كما يدل عليه قوله فزعم كل واحد منهما الخبر ففاسد جدا إذ لم يظهر من الخبر ان شهادة البينة أيضا على وجه التقييد إذ القول المذكور إنما هو في كلام الراوي ولم يعلم أنه جزء من دعوى المدعي حتى يقال بإقامته البينة عليه.
إلا أنه لا عامل بهذا الخبر من أخبار التنصيف لان القائل بالتنصيف إنما هو الشيخ وهو لا يشترط فيه الحلف مع اعتباره في الخبر فبعد طرح هذا الخبر تصير النسبة بين أخبار التنصيف والقرعة التباين الكلي فلا بد من الرجوع إلى المرجحات السندية أو المضمونية على القول به.
فإذا نقول إن الترجيح مع اخبار القرعة لكونها أصح سندا ومعمولا بها عند المشهور وموافقة للاجماع المنقول عن الغنية وأما أخبار التنصيف فلم نجد من عمل بها إلا الشيخ رحمه الله في بعض الصور وهو ما إذا كانت البينتان مسببتين لكنه أيضا ليس عملا بها حق العمل لان مقتضى ما ذكرنا في أخبار التنصيف هو القول بمقتضاها على تقديره مع التحالف لا بدونه فاخبار التنصيف لا عامل بها على ما يقتضيه التحقيق.
نعم لو عمل بها مع الالتزام بالحلف كان قول الشيخ رحمه الله أقرب وأنسب بالمنقول كما صرح به في المتن لأنه قال في صورة اطلاق البينتين بالقرعة وفي صورة تقييدهما بالتنصيف على ما يقتضيه حمل المطلق على المقيد وفي صورة الاختلاف بالجمع على ما يقتضيه قاعدة الجمع إن قيل بها حسبما عليه المشهور الذي قد عرفت التأمل فيه لكن العامل بها على الوجه المذكور غير موجود فلا بد من طرحها والاخذ بمقتضى أخبار القرعة هذا كله لو كان الاختلاف بين الأصحاب مستندا إلى الاخذ بسند بعض الأخبار وطرح بعضها الآخر.
وأما لو كان من جهة الاختلاف في دلالة الاخبار وكون المراد منها أي شئ وإلا فليس التأمل في