على أن الفصل من شأن الحاكم لا دخل له باعتبار اخباره عن الفصل هذا مضافا إلى ما فيما ذكره أخيرا من أعمية هذا الوجه لجميع صور المسألة والله العالم هذا تمام القول في متمسك المثبت وأما دليل المانع فليس إلا الأصل لان الأصل عدم اعتبار غير العلم وما ذكره بعضهم من أن موازين القضاء منحصرة وليس اخبار الحاكم من أحدها فيه تأمل لا يخفى وجهه هذا مجمل القول في الموضع الثاني.
وأما الكلام في الموضع الثالث وهو اعتبار البينة القائمة على وقوع الحكم من الحاكم وصدوره عنه و عدمه فنقول ان المشهور بين الأصحاب بل لم أعرف مخالفا منهم فيه بل نقل الاتفاق عليه في محكي الايضاح هو اعتبارها في الجملة نعم نقل في المسالك عن بعض القول بعدم اعتبارها والقائل غير معلوم ومستنده معلوم وهو الأصل.
واستدل على ما ذهب إليه المشهور بوجوه أحدها ما ذكره بعض مشايخنا من أنه يدل على اعتبارها عموم ما دل على وجوب قبول حكم الحاكم الذي هو من حكمهم وفيه أن اجراء العموم في المقام يتوقف على اعتبار البينة ضرورة عدم العلم بوقوع الحكم من الحاكم فلو أثبت اعتبارها به فيلزم عليه الدور الظاهر كما هو - الظاهر ثانيها ما ذكره أيضا مع بعض من تقدم عليه من عموم ما دل على اعتبار البينة وفيه أنه قد بينا غير مرة في الأصول والفروع انه ليس لنا عموم يدل على اعتبار البينة في كل موضع ولهذا ترى الأصحاب لم يتمسكوا في المقام وأمثاله على اعتبار البينة بعموم من العمومات ثالثها ما ذكره في المتن وفي أكثر الكتب من أن ذلك مما تمس إليه الحاجة لان أرباب الحقوق يحتاجون كثيرا ما إلى اثباته في البلاد المتباعدة ولا يكون لهم شهود فيها على الحق ونقلهم الشهود إليها متعسر عليهم غالبا ولا يكون لهم وسيلة إلى استنقاذ الحقوق إلا برفع الاحكام إلى الحكام في البلد الذي فيه الحق فلو لم يعتبر البينة على الحكم مع ذلك لزم تعطيل الحقوق وهو مناف للحكمة التي شرع لأجلها القضاء والحكم بين الناس لا يقال يتوصل إلى ذلك بالشهادة على شهود الأصل لأنا نقول قد لا تساعد شهود الفرع على النقل والشهادة الثالثة لا تسمع رابعها ما ذكره فيهما أيضا من أنه لو لم يشرع إنفاذ الحكم بالبينة لبطلت الحجج مع تطاول المدة والملازمة ظاهرة وعدم اللزوم على تقدير التشريع أظهر خامسها ما ذكره فيهما أيضا من أن المنع من سماع البينة في المقام يؤدي إلى استمرار الخصومة في الواقعة الواحدة بأن يرافعه المحكوم عليه إلى الآخر فإن لم ينفذ الثاني ما حكم به الأول بعد قيام البينة عليه اتصلت المنازعة سادسها ما ذكره فيهما أيضا من أن الغريم لو أقر عند الحاكم ان حاكم حكم عليه بالحق الزم الحاكم المقر عنده به بالحق فكذا لو قامت البينة لا بد من أن يلزمه بالحق لأنها مثبتة ما لو أقر الغريم به.
هذا محصل ما ذكروه من الوجوه الدالة على اعتبار البينة وأكثرها نقية عن المناقشة فالحكم باعتبارها هو المتعين ولا معارض له أصلا لان ما اتفقت كلمة الأصحاب على عدم اعتباره ودلت الروايتان على عدمه أيضا هي البينة على الكتابة وأما البينة على الحكم فلا حسبما عرفت تفصيل القول فيه سابقا ودليل المانع ليس إلا الأصل وهو مرتفع بعد قيام ما قدمنا وما ذكره بعضهم من انحصار موازين القضاء في الشرع والبينة على الحكم ليس منها وفساده ظاهر هذا كله مما لا إشكال فيه.
وإنما الاشكال في أمور أحدها ان ما ذكرنا من اعتبار البينة هل هو مختص ما إذا أشهدها الحاكم على الحكم أو يعم ما إذا شهدت الحكم من دون اشهاد أو علمت بالحكم من دون حضور مجلس وجهان صريح سيد مشايخنا في الرياض الاختصاص مدعيا عدم الخلاف فيه مستشهدا بظهور كلمتهم فيه وصريح المحكي