يقع التزاحم بين الحكمين، لان كلا منهما يدعو إلى ما يمنع من امتثال الاخر في زمان واحد، فالحكم اللاحق قابل لان يمتثل في الزمان السابق لا بمعنى الاتيان بمتعلقه، بل بمعنى الاتيان بما له تأثير فيه في الزمان السابق وهو حفظ القدرة على متعلقه المسقط للتكليف الاخر. فلا يختلف الحال حينئذ بين القول بالتخيير الشرعي والتخيير العقلي.
هذا ولكن الانصاف يقتضي بتقديم الأسبق زمانا لبناء العقلاء في أعمالهم بالإضافة إلى أنفسهم والى غيرهم على ذلك في مورد التزاحم، ويرون من يترك الأسبق لاجل امتثال اللاحق ليس جاريا على سيرة العقلاء، وان فعله سفه. فلو كان عند شخص رغيف خبز واحد وعلم أنه مضطر إلى البقاء جائعا يوما مرددا بين يومه وغده من دون امتياز لأحدهما على الاخر في شده الجوع وطوله وقصره فلا اشكال في أنه يأكله في يومه ولا يتركه إلى غده لأنه يرى الترك سفها. وهكذا لو كان عنده مقدار ما يضف به شخصا واحدا وجاء زيد فعلا وعلم أنه يجيئه عمرو غدا وكلاهما واجب الضيافة من دون امتياز، فان عمل العقلاء على صرف ما عنده في ضيافة زيد لا تأخيره وضيافة عمرو به.
ولعل جهة ذلك أنه وان علم ببقائه إلى الحكم اللاحق بحسب الموازين العادية، إلا أن احتمال عدم بقائه عقلا موجود، وهذه جهة تصلح منشاء لعمل العقلاء.
وبالجملة: فلا اشكال ان بناء العقلاء على تقديم الأسبق ثابت، وان عدم تقديمه في نظرهم أمر غير عقلائي.
وهذا يوجب الجزم بعدم ثبوت التخيير وتعيين السابق. ولا أقل من احتمال ترجيحه عندهم، فيكون نظير محتمل الأهمية متعينا بنظر العقل كما سيجئ. فإن كان نظره (قدس سره) إلى هذا البيان كما قد يستشم من عبارته كان ما ذكره متينا، لكنه لا يستقيم على كلا القولين: القول بالتخيير العقلي والقول بالتخيير