ملاحظة الكسر والانكسار وغلبتها على المصلحة توجب تعلق الكراهة والمبغوضية بالفعل، فلا يكون الفعل محبوبا في حال من الأحوال لان وجود المفسدة واقعي لا يرتبط بالعلم والجهل فكيف يصلح للمقربية؟.
وبتعبير آخر: المصلحة الموجودة في الفعل مقهورة للمفسدة الموجودة فيه، فلا تكون موجبة للتقرب بالعمل وصيرورته مقربا، بل يكون العمل مبغوضا للمولى، كما أنه لو تساوت المفسدة والمصلحة يكون العمل مباحا لا محبوبا ولا مبغوضا.
واما دعوى إمكان الاتيان بالعمل بداعي الامر لوفائه بالغرض، كغيره، فهي تندفع بما عرفت من أن العمل لا يصلح للمقربية بعد اشتماله على المفسدة الغالبة، فلا يكون كغيره من الافراد. مضافا إلى أن هذا الوجه مناقش فيه في نفسه كما مر.
وعلى هذا فذهاب المشهور إلى صحة العمل مع الجهل بالتحريم لا تلتئم إلا بذهابهم إلى جواز اجتماع الأمر والنهي في نفسه - وهو ما عبر عنه بالجواز من الجهة الأولى -، وامتناع الاجتماع من جهة أخرى - وهي ما عبر عنه بالامتناع من الجهة الثانية -.
وبيان ذلك: انه (قدس سره) ذكر في أول المبحث ان البحث يقع في الجواز والامتناع من جهتين:
إحداهما: من جهة سراية كل من النهي والامر إلى متعلق الاخر وعدمه الذي يبتني على كون التركيب بين الجهتين اتحاديا أو انضماميا، فعلى الأول يمتنع اجتماع الحكمين، لأنه من الجمع بين الضدين في محل واحد. وعلى الثاني لا يمتنع، لان موضوع أحدهما غير الاخر فلا يجتمع الضدان في شئ واحد. فالبحث في الجهة في امتناع الاجتماع وعدمه من جهة كون الاجتماع الضدين في شئ واحد وهو محال في نفسه، وعدم كونه كذلك. ومن الواضح ان اعتبار قيد المندوحة في