يبقى سؤال وهو: أن هذا المعنى انما يستلزم إمكان تعلق النهي بالترك لا تعيينه، فما هو الوجه في اختيار تعلقه بالترك دون الكف؟.
والجواب عنه واضح: فان تعلقه بالترك لا يحتاج إلى برهان فإنه ما تقتضيه القاعدة، والالتزام بتعلقه بالكف من جهة الالتزام بامتناع تعلقه بالترك، فلا محيص عنه، فإذا ثبت جوازه تعين بلا اشكال.
اما ان ذلك مقتضى القاعدة، فلا جل ان التكليف إذا كان يرتبط بالأمور الخارجية لترتب المصلحة والمفسدة عليها، فلا وجه لتعلقه بأمر نفسي، بل هو يتعلق رأسا بامر خارجي من فعل أو ترك، ولأجل ذلك لم يتوهم متوهم أن الامر متعلق بإرادة الفعل لا بنفسه إذ لا معنى له، والمفروض معقولية تعلقه بالفعل نفسه. فالتفت.
النحو الثاني: ان متعلق النهي وإن كان هو الترك، لكنه هل هو مطلق الترك أو انه ترك خاص وهو المساوق لصورة الكف؟ والوجه في هذا الكلام هو ان النهي انما هو لجعل الداعي نحو الترك، وهذا انما يتعقل في صورة وجود المقتضي للفعل، بحيث يكون المكلف في مقام العمل فينهى، اما إذا لم يكن في مقام العمل فلا معنى للنهي عنه لتحقق الانتهاء والانزجار في نفسه بدون نهي فيكون النهي لغوا. وهذا المعنى تظهر ثمرته في مورد العلم الاجمالي الذي يكون أحد طرفيه مصروف النظر عنه بالمرة، فإنه لا يكون منجزا على هذا الرأي، فينحصر النهي بصورة الكف قهرا وإن تعلق بالترك. وحل هذا الاشكال أو اقراره ليس محله هنا، بل له مقام آخر وانما كان قصدنا الإشارة إليه فالتفت.
الجهة الثالثة: في اتفاق كيفية امتثال النهي والامر أو اختلافهما.
وتوضيح الحال: ان هناك شيئا ملحوظا يختلف فيه النهي والامر، وهو: ان الامر إذا تعلق بطبيعة يكتفي في امتثاله باتيان فرد واحد، بخلاف النهي فإنه إذا تعلق بطبيعة فلا يمثل الا بترك جميع افرادها، وقد اختلف في بيان الوجه في ذلك.