غير محتمل الأهمية مما يعلم بسقوط اطلاق دليله على كلا التقديرين تقدير أهمية الحكم الاخر وتقدير عدمه، فيخرج اطلاقه عن الحجية. اما محتمل الأهمية فلا يعلم بسقوط اطلاق دليله، لاحتمال كونه أهم فيكون هو المتعين فيتمسك باطلاقه عملا بأصالة الاطلاق. ولا يختلف الحال في ذلك (*) على القول بان التخيير مع التساوي عقلي أو شرعي، لعدم احراز تقييد اطلاق المحتمل أهميته على الأول (*) أفاد صاحب الكفاية (قدس سره) في مبحث التعادل والترجيح عند البحث في تحقيق الأصل عند التعارض بين الدليلين إلى: ان محتمل الأهمية يقدم على مزاحمه في الجملة، ولم يبين تفصيل ذلك. ونسب إليه بيان التفصيل في حاشيته على الرسائل.
وقد يستشكل فيه بما ذكرناه في المتن من: انه لا فرق بين الصور في تقديم محتمل الأهمية، لعدم العلم بسقوط اطلاقه والجزم بسقوط إطلاق مزاحمه، فيعمل باطلاق محتمل الأهمية.
وتحقيق الحال فيما أفاده (قدس سره): انه يذهب إلى أن التزاحم بين الحكمين لا يتحقق، الا إذا فرض وجود الملاك لكلا الحكمين، كما أنه يذهب إلى أن الدليلين في موارد وجود الملاكين إذا كانا لبيان الحكم الاقتضائي، كان المورد من موارد التزاحم. واما إذا كانا لبيان الحكم الفعلي، كان المورد من موارد التعارض، لتحقق التكاذب بين الدليلين بعد عدم امكان الاخذ بهما معا.
وعلى هذا يكون المرجع مرجحات باب المعارضة لا مرجحات باب التزاحم.
وإذا ظهر ما ذكرناه، لم يكن مجال للاشكال المزبور عليه، إذ موضع التزاحم بنظره ما إذا لم يكن اطلاق الدليلين متكفلا للحكم الفعلي كي يؤخذ باطلاق الأهم أو محتمل الأهمية، بل الالزام باتيان الأهم أو التخيير في مورد التساوي انما هو بحكم العقل من باب لزوم تحصيل غرض المولى.
وعلى هذا المبنى نقول: ان صور احتمال الأهمية ثلاثة:
الأولى: أن لا يكون المقتضيان من جنس واحد، مع احتمال أهمية أحدهما من ناحية احتمال أهميته في التأثير في المصلحة العامة - مثلا -، نظير أهمية الصلاة من وجوب رد السلام.
الثانية: أن يكون المقتضيان من جنس واحد، مع احتمال أهمية أحدهما لاحتمال شدته.
الثالثة: ان يكونا من جنس واحد، مع احتمال الأهمية في أحد الطرفين لا لشدته، بل لانضمام ملاك آخر إليه. فاحتمال الأهمية ينشأ من احتمال التعدد.
اما الصورة الأولى، فالحكم فيها فيها تعيين محتمل الأهمية، وذلك لان العقل يحكم بلزوم تحصيل غرض المولى ولا يرفع اليد عن حكمه، ولا يحكم بمعذورية العبد إلا بالاتيان ببدله، ومع احتمال الأهمية لا يقطع بالعذر وصلاحية الغرض الاخر للبدلية، فيكون من موارد قاعدة الاشتغال.
وهكذا الحال في الصورة الثانية، لعدم القطع بالعذر مع الاتيان بالغرض المحتمل المضعف.
واما الصورة الثالثة، فلا يحكم بالتعيين، لان الغرض المعلوم المنجز على العبد يعلم بصلاحية الغرض الاخر للبدلية عنه لتساويهما، وانما يحتمل وجود غرض آخر يفوت بترك محتمل الأهمية، ومجرد هذا الاحتمال لا ينفع، كمورد الاحتمال البدوي الصرف، فإنه من موارد قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
وهذا التفصيل الذي ذكرناه، موافق في الجملة لما حكي عن صاحب الكفاية. وبالبيان الذي عرفته يندفع عنه بعض ما أورد عليه، فراجع حاشية المحقق الأصفهاني على الكفاية. ولكنك عرفت أن هذا البيان يتم على الالتزام بما التزم به صاحب الكفاية من تحديد مورد التزاحم، وكون الالتزام بلزوم الأهم أو التخيير في مع التساوي بسبب حكم العقل بلزوم تحصيل الغرض الملزم للمولى.
اما بناء على أنه عبارة عن تنافي الحكمين في مقام الامتثال مع الالتزام بتكفل دليليهما الحكم الفعلي، كان محتمل الأهمية هو المتقدم مطلقا كما أشرنا إليه في المتن.