فيه دون إرادة الترك. فهي باطلة، فإنه كما هناك كراهة للفعل كذلك هناك إرادة ومحبوبية للترك، ويشهد لذلك الأفعال المبغوضة بالبغض الشديد، فان تعلق المحبوبية بتركها ظاهر واضح لا انكار فيه كمحبوبية الصحة التي هي في الحقيقة عدم المرض ونحو ذلك.
وأما تمييز الواجب عن الحرام فليس الضابط فيه ما هو المنشأ وما هو متعلق الإرادة أو الكراهة، بل الضابط فيه ملاحظة ما فيه المفسدة والمصلحة، فإن كان الفعل ذا مفسدة كان حراما وإن كان المنشأ طلب الترك، وان كانت المصلحة في الفعل أو في الترك كان الفعل أو الترك واجبا، ومثل الصوم تكون المصلحة في نفس الترك فيكون واجبا.
وبالجملة: فما ذكر من الوجهين لا ينهض لانكار رأي صاحب الكفاية، فهو المتجه لما عرفت من البرهان عليه.
الجهة الثانية: في البحث عن أن متعلق الطلب في النهي هل هو الترك وعدم الفعل، أو الكف الذي هو ايجاد ما يكون سببا في المنع عن تأثير الرغبة في الفعل عند حدوث الميل إليه؟، وهذا المعنى يمكن أن يحرر بنحوين:
النحو الأول: ما ذكره في الكفاية من: أن متعلق الطلب في باب النهي هل هو الترك أو الكف لاجل ان الترك غير اختياري فان الإرادة انما تؤثر في الفعل لا في عدمه، فان العدم ينشأ من عدم إرادة الوجود لا إرادة العدم.
والجواب عن هذا الاشكال: ما أشار إليه في الكفاية من: أن القدرة على الفعل تعني القدرة على الترك، فان معنى كون الشئ مقدورا هو كون كل من وجوده وعدمه تحت حيز الامكان والاختيار، والا فلو لم يكن العدم مقدورا لم يكن الفعل كذلك، بل كان اما ضروريا أو ممتنعا، وكل من الحالتين خلف (1).