الأمر الانتزاعي صادق على المكلف في الحال، وإن كان انكشافه في الاستقبال، فلا يكون الزمان المقدم ظرفا للوجوب والواجب؛ حتى يلزم التكليف بالمحال، ولا يكون نفس بلوغ المكلف إلى الوقت شرطا للوجوب؛ حتى يتعلق الوجوب به بعد حضور الوقت، بل الشرط هو هذا الأمر الانتزاعي المتحقق في الحال والمنطبق على المكلف، ويكون الوجوب - لأجل حصول شرطه - حاليا، والواجب استقباليا.
والفرق بين الواجب المعلق والمشروط: أن الأول مشروط بأمر انتزاعي، والثاني مشروط بنفس الأمر الخارجي، ففرق إذا بين قول القائل: " إذا دخل وقت كذا فافعل كذا " وبين قوله: " افعل كذا في وقت كذا " فإن الأول جملة شرطية، مفادها تعلق الأمر والوجوب بالمكلف عند دخول الوقت، والثاني جملة طلبية مفادها إلزام المكلف بالفعل في الوقت الآتي.
ومن هذا النوع كل واجب مطلق توقف وجوده على مقدمات مقدورة غير حاصلة، فإنه يجب قبل وجود المقدمات إيجاد الفعل بعد زمن يمكن إيجادها فيه، وإلا لزم خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا، أو التكليف بما لا يطاق، وكلاهما ضروري الفساد (1).
ومحصل مرامه: أنه كما أن الحج قبل دخول ذي الحجة يكون واجبا على من يدركه قادرا عليه، وظرف الإتيان هو ذو الحجة، فكذلك الصلاة في أول الوقت واجبة على من يأتي بالمقدمات قادرا على إتيانها بعدها، فلا فرق بين كون المكلف به غير ممكن الوجود [لأجل] تقيده بزمان استقبالي أو أمر آخر استقبالي لم يكن تحت قدرة العبد، وبين كونه كذلك [لأجل] امتناع تحققه عقلا قبل حصول المقدمات، ففي كليهما يكون الوجوب حاليا والواجب استقباليا.