لمحات الأصول - تقريرات البروجردي ، للسيد الخميني - الصفحة ٢٣٢
وجه، وهذا المورد متسا لم عليه بينهم (1)، وفيما إذا كان المنهي عنه أخص مطلقا - سواء كانت الأخصية بحسب المورد أو بحسب المفهوم - وهذان الموردان محل الإشكال في جريانه، وقد عرفت أن التحقيق جريانه فيهما وتحقق ملاكه فيهما، بل كل مورد يكون فيه بين العنوانين عموم وخصوص يرجع إلى العموم المطلق؛ فإن النهي ينحل إلى نواه مستقلة، فكل تصرف في المغصوب يكون متعلقا لنهي مستقل، ونسبة هذا النهي الانحلالي إلى الأمر تكون بالأخصية المطلقة، كما هو واضح.
التنبيه الرابع: لافرق في جريان النزاع بين أقسام الأمر والنهي لا فرق في جريان النزاع بين الأمر الوجوبي والندبي (2) والنهي التحريمي والتنزيهي (3)، فعلى القول بالامتناع يمتنع اجتماعهما - بأي نحو كان الأمر والنهي - فإن تمام الملاك للامتناع هو الضدية، ومعلوم أن الأحكام الخمسة بأسرها متضادة، فكما يمتنع اجتماع الأمر الوجوبي والنهي التحريمي بملاك الضدية، كذلك يمتنع اجتماع كل أمر ونهي - بأي مرتبة كانا - في شيء واحد بجهة واحدة؛ لتحقق الملاك في الجميع (73).

١ - نهاية الوصول: ١٥٧ / السطر ٢٤، معا لم الدين: ٩٨، الفصول الغروية: ١٢٥ / السطر ٨.
٢ - الوافية في اصول الفقه: ٩٦، الفصول الغروية: ١٢٩ / السطر ٨، خلافا لما في مطارح الأنظار: ١٢٧ / السطر ٢٥.
٣ - الوافية في اصول الفقه: 94، الفصول الغروية: 129 / السطر 8.
73 - عرف الضدان: بأنهما أمران وجوديان لا يتوقف تعقل أحدهما على الآخر، بينهما غاية الخلاف، يتعاقبان على موضوع واحد، لا يتصور اجتماعهما فيه.
قا لوا: ومن شرط التضاد أن تكون الأنواع الأخيرة التي توصف به، داخلة تحت جنس واحد قريب، فلا يكون بين الأجناس ولابين صنفين من نوع واحد ولا شخصين منه تضاد.
وهذا التعريف لا يصدق على الأحكام الخمسة، سواء جعلت الإرادات المظهرة أو نفس البعث والزجر؛ لأنه إن جعلت الإرادات فلم تكن الأحكام أنواعا مختلفة تحت جنس قريب.
أما الواجب والمستحب وكذا الحرام والمكروه، فواضح؛ لأن الإرادة الوجوبية والاستحبابية مشتركتان في حقيقة الإرادة، وممتازتان بالشدة والضعف، وكذا الحال في الحرمة والكراهة؛ لأن المبدأ القريب للزجر - تحريميا كان أو تنزيهيا - هو الإرادة، فإذا أدرك المولى مفسدة شرب الخمر، يتوسل إلى سد بابه بزجر العبيد تشريعا، فيريد الزجر التشريعي، فيزجرهم عنه، فإرادة الزجر المظهرة إذا كانت إلزامية، ينتزع منها التحريم على هذا المبنى، وإذا كانت غير إلزامية، ينتزع منها الكراهة، فالإرادة مبدأ الزجر والبعث والإباحة الشرعية.
وما اشتهر بينهم: من تقابل الإرادة والكراهة، وجعلوا الكراهة مبدأ للنهي، والإرادة للأمر، ليس على ما ينبغي؛ لأن الكراهة لصدور الفعل من المكلف ليست في مقابل إرادة البعث، بل مقابلة للاشتياق إلى صدوره منه، فكما أن استحسان عمل والاشتياق إلى صدوره من المكلف صارا مبدأ لإرادة بعثه نحو الفعل، فكذا استقباح عمل وكراهة صدوره منه صارا مبدأ لإرادة الزجر التشريعي والنهي عنه، فنفس الكراهة ليست بمبدأ قريب للنهي؛ ضرورة مبدئية الإرادة لصدور جميع الأفعال.
فبناء على انتزاع الحكم من الإرادة المظهرة لا فرق بين الوجوب وغيره في كون مبدئها الإرادة، فلا تكون الأحكام أنواعا مختلفة مندرجة تحت جنس قريب، فلا تضاد بينها، ومطلق عدم الاجتماع لا يوجب الاندراج تحت تقابل التضاد، مع أن غاية الخلاف - لو اعتبرت فيه - لا تتحقق في جميع الأحكام، بل التعاقب على موضوع واحد - المراد به الموضوع الشخصي لا الماهية النوعية - مما لا معنى له فيها؛ لأن متعلقاتها لا يمكن أن تكون الموجود الخارجي، فلا معنى للتعاقب وعدم الاجتماع فيه.
وبهذا يظهر عدم التضاد بينها؛ بناء على أن الأحكام عبارة عن البعث والزجر المنشأين بوسيلة الآلات الموضوعة لذلك، كهيئة الأمر والنهي وغيرهما، ولا شك في أنهما - حينئذ - من الامور الاعتبارية، فلم تكن وجودية ولا حالة في الموضوع الخارجي، بل قائمة بنفس المعتبر قياما صدوريا، فالتضاد بين الأحكام مما لا أساس له، فتدبر. (مناهج الوصول 2: 136 - 138).
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 234 235 236 237 238 ... » »»
الفهرست