فلا يمكن تعلقها بأمر متأخر يتوقف حصوله على أمر غير مقدور - كالزمان وشبهه - إلا على سبيل الاشتراط، ويمكن تعلقها بأمر متوقف على مقدمات مقدورة.
فإذا فرق بين تأخر الفعل لأجل عدم حضور وقته، وتأخره لأجل التوقف على مقدمات تدريجية مقدورة، تأمل (35).
35 - والجواب: أما عن الإرادة التكوينية، فغاية ما يمكن أن يقال في بيان كونها علة تامة لحركة العضلات: إن القوى العاملة للنفس وآلاتها المنبثة هي فيها لما كانت تحت سلطان النفس وقدرتها، بل هي من مراتبها النازلة وشؤونها، فلا يمكن لها التعصي على إرادتها، فإذا أرادت قبضها، تنقبض، أو بسطها تنبسط، من غير تعص وتأخر مع عدم آفة للآلات، هذا أمر برهاني ووجداني، لكن كون القوى تحت إرادة النفس وإطاعتها أنها إذا أرادت تحريكها في الحال تحركت، لا عدم إمكان تعلق الإرادة بأمر استقبالي.
فما اشتهر بينهم - من أن الإرادة علة تامة للتحريك، ولا يمكن تخلفها عن المراد، حتى أخذوه كالاصول الموضوعة، ونسجوا على منواله ما نسجوا - مما لم يقم عليه برهان إلا ما ذكرنا، ولازم ذلك هو ما عرفت: من أن الإرادة إذا تعلقت بتحريك عضلة في الحال ولم يكن مانع في البين، تتحرك إطاعة للنفس.
وأما عدم إمكان التعلق بأمر استقبالي، فيحتاج إلى برهان مستأنف، ولم يقم عليه، لو لم نقل بقيامه على إمكانه، وقضاء الوجدان بوقوعه، كيف وإرادة الله - تعالى - قد تعلقت أزلا بإيجاد ما لم يكن موجودا على الترتيب السببي والمسببي، من غير إمكان التغير والحدوث في ذاته وإرادته، كما برهن عليه في محله؟! (مناهج الوصول 1: 360).
هذا كله في الإرادة التكوينية.
وأما التشريعية: فإمكان تعلقها بأمر استقبالي أوضح من أن يخفى ولو سلمنا امتناعه في التكوينية؛ فإنها وإن تتعلق بالأمر لغرض البعث، ومعه لابد وأن يكون الانبعاث ممكنا، لكن يكفي إمكانه على طبق البعث في إمكانه وصحته، والبعث إلى أمر استقبالي يقتضي إمكان الانبعاث إليه لا إلى غيره، والأغراض المتعلقة للبعث في الحال كثيرة، بل قد عرفت أن البعث القانوني لا يمكن إلا بهذا النحو، فلا ينبغي الإشكال فيه. (مناهج الوصول 1: 363).